في حزيران 2018، الأسبوع الأخير منه، تَلقى قادة التنظيمات الإرهابية في المنطقة الجنوبية (درعا، السويداء، والقنيطرة) رسالة أميركية، قالت فيها واشنطن: لا تنتظروا تدخلاً، لا تَبنوا قراراتكم على فرضية قيامنا بتدخل عسكري، من يَتذكر؟.
روبرت فورد، اليوم، يُوجه رسالة مُماثلة للإرهابيين، للمُرتزقة التي استَجلبتها أميركا وراهنت عليها، مُؤكداً: لا نَستطيع فعل الكثير للدعم أو لتوفير الحماية لكم.
رسالة فورد الطازجة والمُطابقة للرسالة الأميركية السابقة، هل تنطوي على التسليم بالأمر الواقع؟ أم هي رسالة تحريض مُزدوجة مُتعددة الاتجاهات؟ أم ينبغي أن يُستنتج منها بأن الفهم الأميركي للحالة صار مُختلفاً، مع مُلاحظة أنّ الحركة التي تُؤديها إدارة دونالد ترامب لا تَسمح بمثل هذا الاستنتاج؟.
في الواقع، قد لا تكون الرسالتان، الأولى حزيران 2018 الرسمية، والثانية غير الرسمية الصادرة للتو عن سفير سابق، تعبيراً عن الاستسلام أو التسليم الأميركي بالعجز، ولكن حتى لو كان غرضهما التحريض المُبطن لشركاء واشنطن بدفعهم إلى الواجهة، للقيام بفعل إنقاذي للإرهابيين، تحت إشرافها لكن من غير إعلان، فإن الرسالتين تُؤشران لمأزق، ولحالة استعصاء يجب أن تُسجل.
المأزقُ الأميركي في سورية، لا يختلف كثيراً عن مأزقها في مياه الخليج، وبمُحاولتها التحرش المباشر بإيران، تهديدها واستهدافها، بل ثمة تطابق في مُحاكاته والتعاطي معه انطلاقاً من نقطة واحدة تبدو اليوم قاعدةً يَعتمدها البيت الأبيض، تتلخص بضرورة زج أوروبا، الحلفاء، مُعسكر الأدوات، وإقحامهم جميعاً ومباشرة بالورطة معها.
واشنطن تتحدث عن نشر قوات مُتعددة الجنسيات في مناطق سوريّة مُحددة بدلاً عن قواتها الغازية المُحتلة التي لا تُعرف حتى الآن وُجهة انسحابها! وفي التوقيت ذاته تتحدث واشنطن عن وجوب قيام طيف دولي واسع بالشراكة معها لحفظ ما تُسميه أمن مضيق هرمز، وأمن الملاحة البحرية والحركة التجارية بالخليج!.
لندن المُستجيبة دائماً، استعجلت الحديث عن دعم أميركي لمُبادرة خاصة بحفظ أمن الخليج يَقودها الاتحاد الأوروبي! فهل يُسجل ذلك كنجاح أميركي بجعل الصراع يأخذ شكلاً آخر، أقلُّه أنه ليس ثنائياً في سورية، أو مع إيران؟ وهل يُمكن القول بأن واشنطن تَنجح بجر القارة العجوز مرة جديدة لتَجعلها تقف بمُواجهة روسيا التي قدّمت رؤيتها للأمن الجماعي بالخليج؟.
بالضبط، هذا محور الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ذلك أن ضِيقَ مساحة المناورة التي حُوصرت فيه واشنطن، -صحيحٌ أنه لم يَحملها على الإقرار بالهزيمة- ضغطَ عليها بشدة وجعلَها تصل إلى المُستوى الذي تَضع فيه أوروبا وجميع مُكونات تحالفها بين خيارات صعبة ومُعقدة، واضحٌ أن هذه الجوقة اختارت الخضوع وتنفيذ أوامر العمل الأميركية.
لكل ما تَقَدَّم، الذي نُدركه جيداً، والذي تبدو حساباته قد أُجريت بدقة في دمشق، في طهران، وفي موسكو، فإننا أمام استحقاق كسب جولة أخرى، نَهزم فيها مُخططات الشر والعدوان .. قادرون، والأيام بيننا.
كتب علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 31-7-2019
رقم العدد : 17038