تعد اللغة سلوكاً لفظياً تتطور وتنمو من خلال مؤثرات البيئة كغيرها من السلوكيات الأخرى، فالطفل يتعلم الكلام عن طريق التقليد والتعزيز، أما الرضيع فلا يوجد لديه سلوك لفظي مفهوم ولكنّه من خلال التقليد والتعزيز يتعلم الفهم واستخدام اللغة، ويعتبر الآباء والإخوة عناصر معززة لما يقدمونه من استجابة إيجابية عندما يلفظ الطفل أصواتاً معينة، واللغة سواء كانت منطوقة أو مكتوبة أو إشارية فهي تعمل على إيصال المعنى، وهي تشمل تفاعل العديد من المهارات، فعلى المتكلم استخدام القواعد لمزج الأصوات إلى كلمات والكلمات إلى جمل لإيصال الرسالة ليحقق هدف التواصل الإنساني وهو تبادل المشاعر والخبرات والمعرفة بين اثنين أو أكثر.
ويقوم التفاعل الإنساني على أساس اللغة، أما التواصل فهو جزء من التفاعل ويظهر هذا من جهة نظر المستمع، حيث إن أي طفل يتكلّم بشكل يختلف عن الطبيعي يمكن أن يعدّ هذا عيباً كلامياً، كما يعتبر الكلام غير سويّ عندما ينحرف بشكل ما عن كلام الناس الآخرين.
ونلاحظ أن الأفراد من ذوي العيوب الكلامية قليلو الكلام إلا إذا بادر الآخرون بالكلام معهم، كما أنهم يتحدثون بصوتٍ غير مسموع ويحرّكون اللسان والرأس والذراعين، ويكون حديثهم ملفتاً للانتباه لأنهم لا يتكلمون بسلاسة وطلاقة، فصوتهم غير مُريح عند التحدث، إضافة إلى أنهم يسيئون إستعمال اللغة ويتحدّثون بطريقة يصعب على الآخرين فهمها لأن مفرداتهم محدودة قياساً مع أعمارهم، وهي مشكلة تواجه الأهل ويبدأ البحث عن حل لها، ومن هنا ونظراً لأهمية عرض وحل تلك المشكلة أقامت جمعية رعاية الأطفال المصابين بالشلل الدماغي ورشة عمل مجانية بعنوان اضطرابات الكلام واللغة عند أطفال متلازمة داون قدم هذه الورشة الدكتورة مرسيدس دكتوراه في علم النفس التربوي العصبي وشاركها الاستاذ غدير ماجستير بالكلام واللغة ومن أهم المحاور التي تناولتها تلك الورشة مراحل تطور اللغة، الوضع التشريحي لأعضاء النطق، الجانب العصبي المسؤول عن الكلام و اللغة، التحدث عن الدماغ ووظائفه، شرح عملي لبعض الحالات الحقيقية، كما تضمنت الورشة تدريبات عملية تم تطبيقها مع المتدربين هدفها تقديم معلومات علمية تزيد من قدرة المتدربين والعاملين وكان تفاعل المتدربين كبيرا جداً حيث كانت الشريحة المستهدفة من طلاب كلية التربية خاصة طلاب التربية الخاصة.
تختلف مظاهر اضطرابات اللغة باختلاف الحالات والفئات العمرية وتتعدد الأسباب المؤدية إليها، وغالباً ما ترتبط بأسباب عضوية أو نفسية أو عصبية وأخرى اجتماعية وتربوية وغيرها.
أسباب اضطرابات النُطق واللغة
تُعتَبر اللغة وسيلة مهمة لتحقيق الاتصال البشري والتعبير عن الذات، ووسيلة من وسائل النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي، وتتمثل اضطرابات اللغة في ضعف القدرة على التعبير وهذا ما يُطلَق عليه تأخّر نمو اللغة، ومن أهم الأسباب المؤدية لذلك:
1- الأسباب العصبية: وترتبط بوجود خلَل أو تلف في الجهاز العصبي المركزي نتيجة حدوث إصابة قبل أو أثناء أو بعد الولادة، لأنه هو الجهاز المسؤول عن النطق واللغة، لذلك فإن أي خلَل فيه سيؤدي إلى اضطرابات في اللغة والكلام، مثل الديسلكسيا وهي صعوبة القراءة والكتابة وفهم الكلمات والجمل وترتيبها من حيث قواعد اللغة، وكما هي الحال أيضاً في إصابات الشلَل الدماغي والتي ترجع إلى مشكلات في الدماغ.
2- الأسباب العضوية التكوينية: وترجع إلى وجود عيوب في كل من الحنجرة وأوتارها ومزمار الحلق والفكّين وتشوّهات الحلق والأنف والشفتين واللسان والشفة المشقوقة وعدم تناسق الأسنان وغيرها، كما وقد ترجع هذه الاضطرابات أيضاً إلى عدم نضج أنسجة الحلق والشفاه أو غيرها أو لقصر القطعة اللحمية المربوطة باللسان أو إلى تعرض أجهزة اللفظ إلى صدمات.
3- أسباب ترجع إلى الجهاز الحسي: ومن أهمها: وجود نقص في قدرة الفرد على السمع وصعوبة في تمييز الأصوات وفقدان البصر أو ضعفه.
4- التخلّف العقلي: والمتمثل في ضعف الذكاء وتركيز الانتباه.
5- الأسباب النفسية: وترتبط بأساليب التنشئة الأُسرية المتمثلة في الدلال والحماية الزائدة والرفض والتمييز بين الإخوة والعقاب الجسدي والنفسي وغيرها.
أساليب وطرق علاجية
تميزت الورشة بالتمارين العملية مع المتدربين والوقوف على الأسباب وطرق العلاج وإمكانية تحقيق النتائج المرجوة وأهم خطوات العلاج حسب الحالة وسبب حدوث ذاك الخلل عند الشخص وأهم أساليب العلاج كالتالي:
العلاج النفسيّ: وذلك بعلاج المشاكل النفسية التي يعاني منها الطفل، كالخجل، والقلق، والخوف، والصراعات الداخلية، حيث ينمي ذلك شخصية الطفل، ويخلّصه من الخجل الذي يشعره بنقص الثقة، إضافة إلى تخفيف التوتر، والقلق الدائم، ويعتمد نجاح هذا العلاج على مدى تعاون الوالدين، فيساعدون طفلهم في التخلص من التوتر أثناء كلامه، وزرع الثقة بنفسه، وتدريبه على الهدوء، والراحة أثناء الكلام من خلال خلق جوٍ من المودة، والتفاهم، والثقة المتبادلة، والانتباه من الأمور التي تحول دون نطقه للحروف بشكلٍ سليم، كالاعتداء عليه من قبل أقرانه في المدرسة، أو الشعور بالغيرة من الأخ الأصغر، أو الانزعاج من أخيه الأكبر، والقيام بمعالجتها، وحمايته منها، وتجنب توجيه الانتقادات، والكلمات الساخرة له، فذلك يزيد حدّة المشكلة.
العلاج الكلاميّ: وهو علاج مهم، ومكمل للعلاج النفسي، فيجب الانتظام به، ويكون بتدريب الطفل على الاسترخاء خلال الكلام، وإعطائه تمارين إيقاعية، ونطقيةً، حيث يبدأ في تعلم الكلام من جديد وبشكلٍ تدريجي من الكلمات السهلة إلى الصعبة، وتمرين جهاز النطق، والسمع باستعمال المسجلات الصوتية.
العلاج التقويمي: وذلك بعمل تمارين خاصة تستعمل بها أجهزة وآلات توضع تحت اللسان. العلاج الاجتماعي: ويتطلب العلاج الاجتماعيّ تعاوناً كبيراً بين الوالدين، والمدرسة، ومجمل البيئة المحيطة بالطفل، كتغيير المعاملة المتبعة معه، وتوفير متطلباته، واحتياجاته.
العلاج الجسمي: وذلك بفحص الطفل، والتأكد من عدم وجود أي أمراض جسمية في الجهاز العصبي، وفي السمع، والكلام، وعلاج أيّ مرض يعاني منه. العلاج البيئيّ: وذلك بدمج الطفل في النشاطات الاجتماعية، حيث يؤدّي ذلك إلى زيادة ثقة الطفل بنفسه، وتفاعله مع البيئة المحيطة به، وتنميته من خلال اللعب، وتخليصه من الخوف، والقلق اتجاه المجتمع.
وفي النهاية نجد أن التوعية والتدريب باضطرابات الكلام واللغة عند الأطفال له أهمية كبيرة كي يستطيعوا القيام بدور فاعل في الألعاب والنشاطات الجماعية، لأن سوء التكيف يساهم في ظهور ميول عدوانية وقلق ومخاوف عامة، ما يجعلهم لا يتوافقون مع معيار السلوك العام، كما أنهم يخجلون في تواصلهم مع الآخرين ما يؤدي إلى انسحابهم من المواقف الاجتماعية، حيث يصبح هؤلاء الأفراد واعين أو مدركين لعيوبهم في التواصل مع الآخرين، ولذلك يصعب التواصل بشكلٍ جيد مع المستمعين العاديين، وإن كان مقدار الشذوذ ودرجة العيب وأهميتها قد تختلف كثيراً من فرد إلى آخر يكون مقدار الشذوذ كافياً كي يجعل من الصعب بالنسبة للمريض أن يتواصل مع مجتمعه.
خلود حكمت شحادة
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040