برغم سنينه السبعة والسبعين لايزال بوجهه إشراقة من أمل وحلم بالإبداع، فلم ينضب وحي إلهامه فلازال يتحفنا كل فترة بأعمال أدبية ترفع لها القبعة، لقيته في أحد مقاهي حمص سارحاً سابحاً في عالم الخيال، إنه المحامي الروائي فيصل الجردي، فقطعت عليه إسهابه وشروده، ليكون لنا معه هذا الحوار الشيق:
• ذاع صيتك كمحام محترف، فكيف أخذتك السبل إلى الأدب..والرواية بالتحديد؟
•• لم يدر في خلدي يوماً أن أكون كاتباً أو أمتهن الأدب لكنها المصادفة إذ انني بعد أن تجاوزت الستين من عمري, وكنت أقوم بتجديد مكتبي الذي أمارس فيه المحاماة، وقد وقع في يدّ ابني المحامي الشاب الذي يشاركني العمل مخطوط قديم لرواية كنت قد كتبتها للتسلية، وأنا أراقب العدو في الخط الأول للجبهة، وذلك قبل حرب تشرين التحريرية عام 1973، فاستأذنني بقراءتها حيث كنت أنوي رميها في سلة المهملات، فأثارت إعجابه حيث أنه قضى طوال الليل وهو يقرؤها، وطلب مني نشرها لأنه عمل يستحق أن يظهر للضوء، فضحكت باستخفاف أزعجه، وفي نفس اللحظة دخل صديقي الأديب اسبر باسيل، فعرض ولدي عليه المخطوط وطلب منه قراءته وإبداء الرأي، فكانت باكورة أعمالي الروائية «هارب من الأسر» حيث ظهرت للنور بعد أربعين عاماً من كتابتها..
• قبل الدخول في عالم رواياتك نود أن تعرفنا على السبب وراء متانة لغتك وبلاغتها مما يدل على ثقافة فكرية ومعرفية؟
•• برغم أن دراستي الجامعية كانت كلية الحقوق، وامتهاني المحاماة بعيداً عن دراسة اللغة العربية ومفرداتها، لكني كنت شغوفاً بالقراءة المتأنية، قد يعود السبب الذي أكسبني هذه اللغة انتمائي لجيل الخمسينات من القرن العشرين بما يحمله من تنوع بالثقافة السياسية والفكرية.
• من يقرأ رواياتك يجد رحابة وتنوعاً في الفضاء المكاني حتى وصلت في رواية خيام عجيلو من السياسة إلى العيش في البادية، فهل يرتبط هذا التنوع بتجربتك الشخصية؟
•• بالتأكيد توجد علاقة وثيقة بينها، لقد نشأت في قرية المضابع التي تتربع على كتف البادية، وكان أهلي من مربي الأغنام وأسلوب حياتهم مزيج من حياة القرية وحياة البادية، وأذكر أنني كثيراً ما نمت في خيمة الشعر السوداء، ولعبت مع كلاب البراري، وترقبت ورود الغزلان لنبع الماء, وتمتعت بالسهر والترقب للقمر والنجوم.
• في روايتك الأميرة تذكر ملتقى النحت في بلدة عالية اللبنانية، هل شهدت هكذا ملتقيات أم هو من نسج الخيال؟
•• في عام 1902 على ما أذكر سمعت من الإذاعة نبأ إقامة «سمبوزيوم» وهو الملتقى العربي الأول للنحت في بلدة عالية اللبنانية، وبعد مرور أسبوع واحد على النبأ، التحقت بالملتقى في عالية، والتقيت مع عدد من النحاتين السوريين والعرب، وأجريت معهم حوارات صحفية نشرت خلاصتها في صفحة كاملة بجريدة العروبة..
• حدثنا عن حكايتك مع الفن التشكيلي والفن بشكل عام؟
•• أنا عاشق لجميع الفنون لأنها تمثل حالة الإبداع والرقي الإنساني، تشترك في كونها أبعادا جمالية مختلفة، فالموسيقا بعد زمني حسب الإشارات الموسيقية والمقاييس والإيقاعات، والفن التشكيلي من رسم ونحت هو بعد مكاني في الطول والعرض والمنظور، والمسرح بعد إنساني في الكلمة والحركة وتعبير الوجه، لذلك فأنا أنفعل وأتفاعل مع كل عمل فني بقدر ما يتضمن من الإبداع.
• كنت رئيساً لمجلس فرع العاديات بحمص، فما الذي يربطك بالآثار؟
•• يربطني بالآثار عشق قديم ابتليت به منذ نعومة أظفاري,فالآثار تحمل في ابداعها ذاكرة الحضارة الإنسانية، وعلم الآثار ليس إلا مدونة هذه الحضارة.
وكم كنت أجد نفسي ضائعاً في تدمر أو شهبا أو قنوت، أو إيبلا أو أوغاريت أو المدن المنسية، أشهد الغروب، ثم ألملم شتاتي وأعود إلى الواقع، كان السكان يحسبونني حارساً للآثار في قاديش لكثرة تواجدي أثناء حفريات التنقيب في سبعينيات القرن الماضي. وأثرَّ هذا العشق يظهر جذرياً في رواياتي «ملاذ الآلهة- جوليا- الأميرة» وفي عدد من لوحاتي ومنحوتاتي..
• ما تأثير الأزمة التي عصفت في سورية على عطائك الفني؟
•• في البداية أخرستني هذه الحرب الظالمة من شدة الذهول، تحولٌ لا يصدقه العقل.. أن يصبح الصديق بين عشية وضحاها عدواً بدون سبب، ويسعى باسم الله إلى إزهاق روحك، أن تبادره بالسلام فيرد بالرصاص يستقر في قلبك فيستبيح دمك.. أي توحش هذا..؟
فقدت منزلي ومكتبي ومرسمي فلم أصرخ..لكني صرخت عندما وجدوا جثة صديقي الفنان مثنى معصراني.. نعم عندما صرخت وكتبت رواية:هذيان هارب من الأسر التي تمت الموافقة على طباعتها لكنها لم تنشر حتى الآن..إلا أنها سوف تنشر.
• أين ترى نفسك في طريق الإبداع والكتابة؟
•• صحيح أنني دخلت محراب الكتابة مصادفة لكنني أبحث عن المدخل الذي سيوصلني إلى الواقعية السحرية لأنضم ولو في حلمي إلى: همنغواي وماركيز وإيزابيل ونجيب محفوظ..
بطاقـــــة
• مواليد حمص 194.
• عضو في اتحاد الكتاب العرب, وعضو في رابطة الخريجين الجامعيين، وعضو في جمعية العاديات، وعضو في الجمعية التاريخية.
• صدر له ست روايات: هارب من الأسر عام 2001، ورواية الأميرة عام 2002, ورواية خيام عجيلو عام 2003، ورواية ملاذ الآلهة عام 2006، ورواية جراح غزة عام 2009، ورواية جوليا عام 2019.
سلوى الديب
التاريخ: الأربعاء 21-8-2019
رقم العدد : 17052