شكلت أعمال النحات الشاب حسام نصرة، التي عرضها في صالة هيشون, امتداداً لأعماله التي قدمها في العديد من المعارض الجماعية، ومن ضمنها معرض الاحتفاء بفنان الطفولة الأول الراحل ممتاز البحرة، ومعرض تحية إلى الناقد والإعلامي الراحل صلاح الدين محمد (في ثقافي أبي رمانة) ومعرض تحية إلى الفنان الراحل زياد زكاري في ثقافي المزة.
كما تابعنا بعض أعماله في بعض دورات معرضي الربيع والخريف, وفي صالة الشعب والمركز الثقافي الروسي, وصالة ألف نون وثقافي جرمانا والرواق العربي وغيرها..
خشونة الواقع
وفي منحوتاته يركز لإظهار الحالات الإنسانية بوضعياتها المختلفة، إلى جانب التشكيلات الفراغية الحيوانية، وهو لم يجسد العناصر (وخاصة الأجساد) على الطريقة التقليدية, وإنما جسد الإحساس بمرارة الواقع الراهن، مؤكداً مشاعره وأحاسيسه وعفوية لمساته وتصوراته، التي تلامس روح العناصر، في لحظة تحريفها وتحويرها للوصول الى التعبير الفني المطلوب, وهكذا يمارس حريته في البحث التشكيلي والتقني والجمالي، في وقت يستطيع فيه أن يحافظ على النسب، ويقدم تشريحاً للجسد، بالرغم من مظاهره التعبيرية، وهو في معظم أعماله الأحدث، يخدم هذه المقاربة الجمالية.
هكذا بدت منحوتاته مشحونة بمعطيات وثقافة فنون العصر عبر إيجاد تناغم إيقاعي بين لغة الاختزال والفراغات والتحريفات، والتأكيد على أهمية الانفتاح على الحرية التعبيرية، في خطوات الارتباط بإيقاعات الحداثة التشكيلية النحتية.
ولقد جسد سطوح العناصر المختزلة، بإضفاء خشونة وملامس نافرة، للتعبير عن خشونة الواقع، والوصول إلى حدود التعبيرية الإنسانية، وإيجاد المزيد من التوافق والمواءمة، بين الاندفاعات العفوية والرقابة العقلانية، وبين مظاهر اختزال الأشكال، والقدرة على تجسيد الأحاسيس الداخلية الانفعالية، بلمساته العفوية والمدروسة في آن واحد, رغم كل ما يبرزه من تحرر في حركة التشكيلات المعتمدة ضمن عناصر المنحوتة.
وفي هذه الحالة يعمل حسام على إيجاد حركة توازن بين الجانب العقلاني، المتمثل في تشذيب الكتلة,وبين الجانب التعبيري العفوي، الباحث عن حركة أكثر انفعالية وتلقائية، في معالجة الجسد الإنساني.
اختزال واختصار
هكذا يشكل حالات أو خطوات الاختصار والاختزال, أو هواجس الانتقال من الصياغة الواقعية، التي نجد ملامحها في بعض أعماله, إلى ايقاعات النحت التعبيري الحديث، المفتوح على تأويلات واجتهادات,فرضتها وبقوة تحولات وتداخلات وتشابكات ثقافة فنون القرن الماضي والحالي.
ضمن هذا السياق تتوضح خطواته الفنية، لإضفاء المزيد من التكوينات الحديثة، وهو – على سبيل المثال – يجسد الجسد الإنساني في أعماله الأخيرة, بطريقة اختزالية، تقربه أكثر فأكثر من تطلعات الحداثة الفنية التشكيلية.
ورغم المعاناة التي مر بها مع اسرته، خلال سنوات الحرب المدمرة, والعقبات التي واجهته فهو لم ينقطع عن مواصلة بحثه الفني، حتى في أحلك الظروف واصعبها، حيث واصل الإنتاج والعرض، مع رفيقته في رحلة الحياة والفن الفنانة آية شحادة، التي تتابع إنتاج لوحاتها، بعيداً أيضاً عن مأثورات التقاليد، وهذا دليل عشق مزمن لديهما بالفن، وإيمان راسخ بدوره, وبقدرته على التعبير عن مواقفهما وثقافتهما الفكرية والجمالية والروحية الحديثة.
وهو حين يجعل أشكال منحوتاته تتجه نحو التحوير والتلخيص والرمز، فإنه يعطيها دلالات روحية وتاريخية، تذكرنا بالأجواء الحضارية المجسدة في بعض المنحوتات القديمة،وبذلك فهو يخدم جدلية العلاقة المتواصلة في الفن، بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب, علاوة على ذلك تبرز في معظم منحوتاته دلالات تعبيرية مرتبطة بواقع الإنسان المعاصر، المحاصر بمشاعر القلق والهلع والتوتر والاضطراب، في مرحلة الحروب الراهنة، نجد ذلك في الأجساد والوجوه المعذبة والحزينة, وفي حركات الأطراف المتلهفة للحنان، والتي تبرز رغبة انعتاق من أسر الواقع، المشحون باليأس والقهر والمآسي والمرارة.
انعتاق
وهذا يعني أنه لايجسد المنحوتة كحالة معبرة عن جماليات الفنون الحديثة والقديمة فحسب، وإنما يظهرها أيضا كرسالة انسانية تحرض على الانعتاق والخروج من نفق ظلمة ومرارة واقعنا المأساوي، المفتوح على بشاعة وفواجع وكوارث الحروب المتواصلة، في عمق حياتنا اليومية، دون توقف أو انقطاع أو نهاية.
وحسام نصرة (من مواليد دمشق 1978ـ عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين) على هذا، يمكن التعريف به: بأنه نحات شاب مندفع نحو عمله بإيمان وصدق ومحبة، وهو يركز لإظهار قوة التعبير في ملامح الأجساد، بعد أن يختصرها، ويحافظ على اشاراتها الخارجية, ولقد استطاع كشف جمالية حركة الجسد في الفراغ، بحالاته المختلفة، الشيء الذي أظهر قدرته على التعبير عن المعنى الروحاني والجمالي والإنساني، والتواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية،متجهاً إلى بناء منحوتة تلامس جوهر الحضارة السورية، وتنقل انفعالاته الحرة، وبالتالي فكل شيء في منحوتته يأتي بشكل عفوي، من خلال الاسترسال الوجداني, وهذا ما يتطلبه العمل الفني الحديث والمعاصر، فحين يحضر الإحساس يحضر الصدق والتميز, وبذلك فهو يعمل للوصول إلى الدلالات الروحية والجمالية, بإيقاعاتها البصرية التي تتنوع من منحوتة إلى أخرى.
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
التاريخ: الجمعة 23-8-2019
الرقم: 17054