مشـــــهد ثقافــــــي

يحدث في مكان ما من هذه الأرض، من عشرينيات القرن المنصرم، أن يفترق موكبان، موكب رسمي كان يقل أحد أفراد سلطة الانتداب البريطاني على الهند، والآخر يقلُّ المحامي الشَّابَّ، ولاحقاً «الرُّوح العظيمة»، المهاتما «غاندي»، قادماً إلى بلده المستعمَرَة، مكللاً بالفخار على ما أبلاه في جنوب أفريقيا من تحدٍّ لمحو هوية الشعب الهندي واحتقار بريطانيا العظمى لهم، واعتبارهم أناساً ومواطنين من درجة ثانية وثالثة.
لم يكن مشهد الافتراق اعتباطياً وأنا أشاهده عبر فيلم سينمائي، لدرجة أنه كان المشهد الوحيد الذي اخترق زحام ذاكرتي وقفز إلى المقدمة منها، حيثُ أشهد ما أشهد من افتراق وفرز واضح بين حوامل كل من المنخرطين في الشأن الثقافي من جهة، وبين المثقفين الذين يعملون لصالح الفكر والثقافة الوطنية من خارج المؤسسة من جهة ثانية. أنشطة بالعشرات، ومهرجانات أكثر، بغض النظر عن الكم أو الكيف فهذا آخر مايهم القائمين على ذلك، لكن الحضور، أو قل: شريحة المعنيين أو المخاطبين بمثل هذه الأنشطة تقل مع الزمن كَمَّاً ونوعاً، لدرجة الاهتراء والتآكل، أما على المقلب الآخر فهي في ازدياد قسري، في وقت يمكن الدمج والمزاوجة والتناغم بين الجهتين فيما لو أردنا ذلك.
أن يكون النشاط ثقافياً مركزياً بامتياز، يستقطب العديد من كل أنحاء سورية كمشاركين ومهتمين، ولا يحضره حتى «الراعون»، أو معظم «القائمين» عليه، فهذا أمر مقلق، وأن يُنتَخَبَ للمشاركة فيه من قليلي الموهبة إلى عديمي هذه الموهبة في موجة لتسطيح المشهد الثقافي الوطني العام، بإهمال، أو بقصد، فهذا أمر أكثر إقلاقاً وإيلاماً، أم الفاسد مثقفاً، أم الجاهل مثقفاً، أم السابح في تيارهم وفلكهم مثقفاً؟ أستعين بمقال للكاتب والصحفي «فيتشيسلاف أبراموف»، عن المخرج والممثل الروسي الشهير «فاسيلي شوكشين» حول مسألة الضمير: إذا كانت الحقيقة تعيش في شخصٍ، إذا كان يسترشد بالضَّمير في الحياة، فهو مفكر حقيقيٌّ، «إن المثقف هو الحكمة والضمير», اليوم بات كل شيء واضحاً: كلما كان لدى الشَّخص ضميرٌ أقل، كلما كان لديه المزيد من المال وأكثر نجاحاً في حياته السياسية «مع بعض الاستثناءات», إن ما يحدث في أيامنا هذه يمكن تسميته بالانحطاط الثقافي.
أما الآن فيمكننا أن نتحدث تماماً عن الانحطاط الروحي, من ينسق ويحضر ويقترح لفعاليات كهذه…؟, من وراء تقزيم المشهد العام الثقافي الوطني لهذا الحد المقصود؟, من المستفيد من هذا المشهد المتردي؟ أسئلة محمومة، لفكر لا يستكين لتبرير، ولا يقنعه جواب، ولا يركن إلا للحقيقة المؤلمة الواضحة المُرَّة.
المشهد أكثر من نافر: حيثُ ثمة مهرجانات بتسميات طموحة لدرجة التجاوز، وتمويل لدرجة الهدر والإهدار، وإسفاف بالنوعية، واحتقار بالتناول والتداول والكيفية، لتأتي الطامة الكبرى وهي أن توزع الحصص كما يوزع دم «هابيل»، أو قميص «يوسف»، حيث جدار مثقل بالأوسمة هي صور وأرواح الشهداء في هذه البلدة أو تلك، تقابلها قامات واطئة لاتضاهي مرورها بجانب اسم شهيد صالحٍ مُضَحٍّ فقير… الأمر أكثر إيغالاً من هذا وذاك، إنه يذبحك من وريد الوطن، إلى أقصى شرايين الكرامة… فهل من مسؤول يعي، أو مثقف يعمل؟..

ليندا ابراهيم
التاريخ: الجمعة 23-8-2019
الرقم: 17054

 

آخر الأخبار
10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات