قامات في الفكر والأدب والحياة… قسـطنطين زريق مفكر قومـي عربـي في زمن الحلـم

حمل في مسيرته الفنية ألقابا كبيرة «شيخ المؤرخين، مرشد الوحدويين، داعية العقلانية, المربي النموذجي..» إنه قسطنطين زريق المؤرخ السوري البارز، والتي رصدت أعماله رؤية قومية متماسكة الأركان، منفتحة على وعي أصيل لعقيدة القومية العربية، سبيلا إلى بلوغ حضاري يرقى بأمة العرب إلى معارج التقدم والتجدد في الحياة عبر مسار سبعة عقود من التجربة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
قامات في الفكر والأدب والحياة، الندوة الشهرية التي استضافتها مكتبة الأسد الوطنية في ندوتها الشهرية كان فارسها «قسطنطين زريق المفكر القومي العربي في زمن الحلم» بإدارة د. اسماعيل مروة.
توجهاته الفكرية
توقف د. خليل سارة عند كتاب «نحن والتاريخ» الذي عالج فيه زريق معالجة صحيحة القضايا الكبرى التي تجابهها الإنسانية اليوم، وقضى مسيرة حياته منافحا صلبا عن القومية العربية في تيارها العقلاني المنفتح على التاريخ وعلى العالم، وصاحب صوت وقلم، مدافع دون كلل عن قمم الرقي والتقدم مشيرا إلى مواضع الضعف والاختلال في مجتمعاتنا العربية.
كان ينير سبل العمل نحو الاقتصاد القومي في مواجهة العدو الخارجي وعلى رأسهم الصهيونية والأعداء الداخليين المتمثلين بالتخلف والجهل وسوء توزيع الثروة وغلبة المناحي الخرافية على الفكر وغياب الأخلاقية عن المعاملات الاجتماعية والسياسية على حد سواء، والمفاجىء أن كل مايعيشه الواقع العربي الآن من صراعات فكرية وسياسية وقومية قد أشار إليها زريق في تنبوءاته عن مستقبل العرب، وكثيرا ماحذرنا منها لئلا نقع في تلك المطبات التي صنعتها الرجعية والفكر الرجعي والاستعمار المتصهين في تخريب كل ماأنجزناه في الماضي القريب والبعيد.
منابع زريق الفكرية
ويرى د. حسين جمعة أن زريق نهل في ثقافته وفكره من منابع عديدة كان أهمها بيئته التي كانت المنبع الأول لفكره القومي العربي، وهي التي أذكت فؤاده الوقاد بالحس الوطني القومي وصقلت قدراته الكامنة في ذاته، فأتقن روح المبادرة ومنهج المحاكمة وزودته بوعي موضوعي عال لمواجهة الواقع.
وقد تركت هذه البيئة المكانية التاريخية، الثقافية، الاجتماعية آثارها العميقة في روحه وعقله، لأنها اتصفت بالانفتاح على الآخر وثقافته ماعزز لديه احترامه وقبول آرائه السياسية والفكرية والدينية وعاداته وتقاليده.
والمنبع الثاني هو امتداد الفكر القومي التاريخي في الشخصية العربية، فكل ثقافة تعبر عما أضافه أبناؤها إلى سابقيهم في مجالاتها المتعددة، والحديث عن الثقافة القومية العربية تاريخيا يؤكد لدى العرب نزوع الانتماء إلى منازلهم وحيزهم الجغرافي وتاريخهم وثقافتهم ولغتهم التي تعبر أحسن تعبير عن خصائهم الاجتماعية والوجدانية.
والمنبع الثالث أن الفكر القومي العربي هو الذي يشكل القومية العربية بوصفها قضية حضارية منفتحة على التحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومرتبطة بالعدالة والكرامة على المستويين الفردي والجمعي، ومؤلفاته تجسد فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية بكل ملامحه، لذا فإن التراث والدين لديه ووفق حقيقته المتصورة إنما يحملان رسالة إنسانية ومضمونا خلقيا نبيلا، كما يرى أن العروبة هوية حضارية متحددة بخصائصها الثقافية والاجتماعية المرتبطة بالوعي الذي يجذر العمق العاطفي للوجود الحيوي العربي التاريخي ويثريها بالبعد السياسي الذي يجسد جوهر الحياة العربية وشخصيتها المتميزة.
فكره القومي
ويبين د. سليم بركات أن قسطنطين زريق يعد من أبرز دعاة القومية العربية الذين عملوا على بناء مجتمع قومي موحد يفيد من الإمكانات البشرية والمادية، كما بقي يبحث عن دور للمغتربين العرب، فهو علم من أعلام العروبة تقوم رؤيته المستقبلية على عدد من الأعمدة» العلم، التقانة، التنظيم المجتمعي، الدولة الديمقراطية على أسس علمانية، ولعله من المفكرين العرب الأوائل الذين أدركوا ما للنخبة المجتمعية الفكرية من دور حاسم في القرار المجتمعي القومي.
كان يرى في الوحدة العربية ضرورة للعرب من أجل توسيع الآفاق والأسواق، وحدة لابد من أن تكون اتحادية ومدركة للواقع العربي، وللأوضاع والارتباطات والتنوعات الموروثة، وحدة تقتصر على أمور السياسة والدفاع والاقتصاد، وهذا لايكون إلا من خلال التربية الأخلاقية السليمة الملتزمة بالعروبة وعلى رأسها عروبة القضية الفلسطينية.
ويمكن وصف زريق بأنه رجل حمل رسالة وطنية قومية إنسانية بامتياز وتجلى مناضلا واعيا عندما ربط بين الحضارة والقومية ومابين الحضور المعرفي والكفاح القومي وكل ذلك عن إيمان بالشعب العربي وبقدرة الإنسان العربي، متمثلا مقولة نيرودا الشهيرة «أنا وحدي شعب».
وقد أدرك زريق الضعف الداخلي للشخصية العربية وضرورة مواجهة هذا الضعف مواجهة واقعية صريحة، لأن الوعي القومي يزن الأمور بموازينها الصحيحة، والوعي عنده يمثل قوة عظمى تحتاجها الأمة العربية في هذه المرحلة الخطيرة من الحياة العربية.
فاتن أحمد دعبول

 

التاريخ: السبت31-8-2019
رقم العدد : 17061

 

آخر الأخبار
سوريا تشارك في الاجتماع العربي السابع للحد من الكوارث بخطة وطنية دمشق تُعيد رسم خارطة النفوذ..  قراءة في زيارة الشرع إلى روسيا الاتحادية وزير الطوارىء: نحن أبناء المخيّمات..نسعى لإعمار وطنٍ يُبنى بالعدل أوضاع المعتقلين وذوي الضحايا .. محور جولة هيئة العدالة الانتقالية بحلب بعد تحقيق لصحيفة الثورة.. محافظ حلب يحظر المفرقعات تخفيض الأرغفة في الربطة إلى 10 مع بقائها على وزنها وسعرها محافظة حلب تبحث تسهيل إجراءات مجموعات الحج والعمرة  جلسةٌ موسّعةٌ بين الرئيسين الشرع وبوتين لبحث تعزيز التعاون سوريا وروسيا.. شراكةٌ استراتيجيةٌ على أسس السيادة بتقنيات حديثة.. مستشفى الجامعة بحلب يطلق عمليات كيّ القلب الكهربائي بحضور وفد تركي.. جولة على واقع الاستثمار في "الشيخ نجار" بحلب أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات