الملحق الثقافي:
صدرت عن المركز الوطني للترجمة في تونس، ترجمة لكتاب «الإنسان الرومنطيقي» للفيلسوف والأديب الفرنسي جورج غوسدورف التي قام بها أستاذ الجامعة التونسية محمد آيت ميهوب.
ويقول ميهوب: «لقد كانت ترجمة هذا الكتاب حلماً راودني منذ سنوات طويلة.. وكل رجائي أن تسد هذه الترجمة نقصاً كبيراً في الدراسات الرومنطيقية العربية، وتفتح أمام الباحثين العرب آفاقاً جديدة في فهم الرومنطيقية الغربية انطلاقاً من منابعها الأولى المتنوعة المشارب، إذ تضرب بجذورها بعيداً في الميثولوجيا والميتافيزيقا والفلسفة والعلم والأنثروبولوجيا».
يقدم هذا الكتاب الأنثروبولوجيا الفلسفيّة الرومنطيقيّة التي تعيد توطين الإنسانيّ في الأرض والعالم، وتصالح الأنا باللاّوعي والميتافيزيقا وكلّ أشكال الخروج عن الوعي الواضح التي قمعها عصر الأنوار وطاردها، وصولاً إلى إقصاء الأنا ذاته وتحويله إلى قالب تجريديّ خاو من المعنى.
« الإنسان الرومنطيقيّ» هو الكتاب الحادي عشر في سلسلة مشروع فكري عكف جورج غوسدورف على تأليفه مدّة تزيد عن خمس وعشرين سنة (1966-1993) ووضع له عنواناً جامعاً هو العلوم الإنسانيّة والفكر الغربي، واشتمل على ستة عشر مجلّداً كان فيها الإنسان الرومنطيقيّ المجلّد الحادي عشر والثالث بين ستة مجلّدات خصّصها غوسدورف للرومنطيقيّة وهي أسس المعرفة الرومنطيقيّة (1982) ومن العدم إلى الله في المعرفة الرومنطيقيّة (1983) والإنسان الرومنطيقيّ (1984) والمعرفة الرومنطيقيّة بالطبيعة (1985)، والرومنطيقية (مجلدان) (1993). ولعلّ في تعدّد مؤلّفات غوسدورف في الرومنطيقيّة واتصال أحدها بالأخرى تأكيداً لأهميّة الرومنطيقيّة ومحوريّة تأثيرها في مسار الفكر الغربيّ من جهة، وبرهاناً من جهة أخرى على إلمام المؤلّف بكلّ دقائق المعرفة الرومنطيقيّة، فحقّ اعتباره أبرز المختصّين الفرنسيّين في الرومنطيقيّة، والرومنطيقيّة الألمانيّة على وجه التحديد.
يشتمل الكتاب على ثلاثة أجزاء تقدم تحليلاً متكاملاً لمقوّمات الأنثروبولوجيا الرومنطيقيّة. وهذه الأقسام هي قيم وحالات نفسيّة، والكائن متجسّداً، وهومو رومنتيكوس. وقد ربطت بين فصول الكتاب جميعها فكرة محوريّة أساسيّة مفادها أنّ الرومنطيقيّة هي مشروع أكثر منها إنجازاً وتحقّقاً، وأنّ التسمية الاصطلاحية أقلّ سعة بكثير من المسمّى. فالرومنطيقيّة أكبر بكثير من أن تكون مجرّد مدرسة أدبيّة أو فلسفيّة أو فنيّة. إنّها نمط حياة وحساسيّة، ومشروع لإعلاء حقيقة جديدة فرضت نفسها بقوّة على الفكر الغربيّ ودفعت الشعراء والروائييّن والرسّامين إلى الثورة على عصر الأنوار، وأعلنت غروب مبدأ السببيّة الغاليلي الذي قصر النظر في الطبيعة على العقل ورفض كلّ حقيقة لا تنتسب إلى العلم التجريبيّ ولا تتسلّح بأدوات العلم الموضوعيّة وأوّلها الانفصال بين العالم وموضوعه. أمّا الرومنطيقيّون فقد ألحوّا على أن نظرة العالِم إلى الطبيعة منضوية داخل الكون، ملتحمة بذات العالم، ومنتمية إلى واقع قائم في ما قبل الوعي وما بعده في الوقت نفسه. إنّ العالَم حسب الرومنطيقيّين موجود داخل الفكر، والفكرَ موجود داخل العالم. إنّ الفكر هو العالم في شكل إرادة، والعالم هو فكر متّسع ممتدّ في الأشياء والكائنات والبشر. ولذلك فإنّ العلم الرومنطيقيّ هو في جوهره ولادة. إنّه إبستيمولوجيا المعرفة الكليّة، إبستيمولوجيا الشكل العضوي والتماثل والتناغم.
ويعد جورج غوسدورف، مؤلف الكتاب الفرنسي ذو الأصول الألمانية، من أبرز المفكرين الفرنسيين في القرن العشرين وأغزرهم كتابة وتأليفاً وأوسعهم اهتماماً بحقول معرفية متنوعة. فقد ترك ما يزيد عن خمسين كتاباً في الفلسفة والإبستيمولوجيا وتاريخ الأفكار وتطور العلوم وعلم اجتماع الثورات والأجناس الأدبية، تعد جميعها مراجع أساسية لا غنى للباحث عنها. ابتدأ مسيرته العلمية مدرّساً للفلسفة في جامعة سترازبورغ بعد أن ناقش أطروحة بعنوان «اكتشاف الذات» دشن بها حقلاً جديداً في الدرس الفلسفي جمع فيه بين التفكير الفلسفي الظاهراتي في الذات من جهة، والدرس الأدبي الأجناسي لأدب السيرة الذاتية من جهة أخرى.
التاريخ: الثلاثاء9-10-2019
رقم العدد : 968