قراءة… المعلم داود قسطنطين الخوري..تجربــــة حيـــــاة عالجـــــت الواقـــع.. وقدمـــت فنـــاً راقيـــاً

(المسرح الغنائي العربي.. مسرحيات المعلم داود قسطنطين الخوري) عنوان كتاب صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ب419 صفحة من القطع الكبير, تحقيق وتصحيح ودراسة محمد بري العواني.
تحدث الكتاب عن سيرة حياة داود قسطنطين الخوري ومواقفه الوطنية، وسمات مسرحياته,وضمّ المسرحيات التالية: مثال العفاف في رواية الأميرة جنفياف، الصدف المدهشة، اليتيمة المسكوبية، عمر بن الخطاب والعجوز، الابن الضال، التي يبين من خلالها المؤلف كيف يعتمد المعلّم داود قسطنطين الخوري على تقديم موضوعات اجتماعية واقعية.
تنبع أهمية مسرحيات داود قسطنطين الخوري من طبيعة الموضوعات والمضامين الوعظية والإرشادية التي طرحها منتصف القرن التاسع عشر، ومن وظيفتها التي تحضّ على الوفاء وحفظ العهود والمواثيق، وتحارب كل أنواع الرذيلة الأخلاقية والدينية والاقتصادية والتعليمية..كالجشع والطمع والغدر بالأهل والأصدقاء والاستعلاء على الضعفاء.. إلخ،
بل إن أهمية مسرحيات الخوري تنبثق من اتجاهه نحو الواقع ومعالجة مشكلاته وعلاقاته الاجتماعية المتخلفة والمختلفة.. ومن المؤكد حسب العواني أن هذا نابع من تأثره بشيخه القباني الذي كان أكثر تنويرية من غيره في عصره، حين طرح حق المرأة والرجل والحب والعشق وحرية اختيار الشريك على قاعدة التساوي بين الجنسين، إضافة إلى موضوعات أخرى فصلناها في كتاب: (أبو خليل القباني-ريادة التجاوز)..
ويؤكد المؤلف في دراسته أن الأهمية الفائقة للمعلم الخوري الشاعر أنه دافع عن سورية وعن العرب والعروبة واللغة العربية، دفاع أبنائها الغيورين في شعره وأغانيه وأناشيده وألحانه التي كان يبتكرها لتلاميذه ويقدمها في الحفلات المدرسية والخيرية، رغم أنه من أصول يونانية لكنّ هذا الأمر أغنى انتماءه إلى العرب والعروبة، فكان انتماءً فكرياً وروحياً عن قناعة مطلقة، ولذلك يقرأ القارئ في تراثه الشعري قصائد وأغنيات وأناشيد تمجد العرب واللغة العربية, ولاسيما تمجيده لسورية العربية الطبيعية.
الأصل والمنشأ
تنحدر أسرة المعلم الخوري من أصول يونانية، فقد جاء جدّه «داود» إلى دمشق منتصف القرن الثامن عشر، فاحتضنه غبطة البطريرك الأنطاكي «دانيال»، لأنه كان ضليعا في علوم اللاهوت ومتقنا للغتين التركية واليونانية، ثم عينه البطريرك مدرسا للغة التركية في المدرسة البطريركية ومن بعد رسم كاهنا بعد زواجه بقليل، وجاء إلى حمص في عهد سيادة المطران اليوناني أفتيموس، وكان قد مال قسطنطين إلى الأدب وأتقن اللغات التركية واليونانية والعربية، ثم عُين ممثلاً للقنصل اليوناني في حمص، ومن بعدها مستشارا عند الحاكم التركي طاهر باشا في دمشق.
توفي المعلم الخوري بعد أن غرس في الشبيبة الحمصية السورية والعربية في سان باولو حب الوطن وحب المسرح،وحب الفن عامة بالعروض المسرحية والحفلات الموسيقية الغنائية والتراتيل والترانيم والألحان الكنسية الدينية.
في المسرح والموسيقا والغناء
يدرك المعلم الخوري أهمية التقطيع الفني لمسرحياته، فهو يوزعها على فصول كعادة المسرحيين, ولكنه يختلف عمّن سبقوه في أنه اعتمد في تقطيع الفصل على مصطلح واحد وهو (المشهد) كما تتنوع في مسرحياته الأزمنة المسرحية التي تدل بوضوح على مرور أزمنة طويلة يستدعيها الحدث المسرحي والحبكة المسرحية, وهذا الصنيع من محاسن المذهب الرومانتيكي الذي حطّم وحدة المكان والزمان،وسمح بتعدد الأمكنة والأزمنة واستطالاتها.
أما بالنسبة للموسيقا والغناء فهذا الجانب الذي يجب أن يحتل المساحة الأرحب لأن مسرح عصر النهضة مسرح غنائي منذ نشأته،وبقي ذلك زمناً طويلاً.. إن ما أنجزه المعلم الخوري من غناء في مسرحياته ضئيل جداً بالقياس إلى ما أنجزه شيخه القباني من موشحات وقدود وأغنيات خفيفة ورقص وغير ذلك، ولهذا فقد بدا الكثير من التجهّم في مسرحيات الخوري بسبب سيطرة الأوزان الشعرية الطويلة والنغمة الأحادية المونوتونية، لكنه يدرك أن مسرحه مسرح غنائي بطبيعته ووظيفته ولهذا نراه يستعمل التراتيل والترانيم الكنسية والدنيوية، لكونها بنت الطقس الديني المقدس وفاعليتها أقوى من الأغنيات الدنيوية، لما تتضمنه الترانيم من تأثير بقيمها الدينية والأخلاقية والاجتماعية، كما أنها تعتمد في شكلها الشعري البسيط على الأوزان العروضية الخفيفة التي تشبه بنية القدود بوصفها أغنيات خفيفة ويمكن الترنم بها بلا أدنى مشقة.
ويؤكد العواني في دراسته إلى أن أهم ما يسجّل للمعلم الخوري هو التفاته المبكر إلى أغنيات الأطفال في المسرح، لأنه أدرك أهمية الدور التربوي للموسيقا والغناء في التوعية والتنشط الجسدي والعقلي والروحي، ولاسيما حين تكون اللعبة جماعية.
في الختام مافعله المعلم الخوري يجب التوقف عنده، والحديث عنه، والاستفادة منه، فهو قدم إبداعاً حقيقياً وقيمة تضاف إلى ماقدمه السابقون من أبناء الوطن المبدعين الذين أثروا روحنا علماً وفناً وتسامحاً وحباً.
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com

 

التاريخ: الجمعة 25- 10-2019
رقم العدد : 17107

 

آخر الأخبار
تفجير الدويلعة يوحّد السوريين: دم واحد في وجه الإرهاب دول عربية وأجنبية تدين التفجير الإرهابي بدمشق: هدفه زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار الرسوم العجمية بأياد سورية ماهرة  سوريا: الهجوم الإرهابي بحق كنيسة مار الياس محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني محامو درعا يستنكرون العملية الإجرامية بحق كنسية مار إلياس بريد حلب يطلق خدمة "شام كاش" لتخفيف العبء عن المواطنين حلاق لـ"الثورة": زيادة الرواتب إيجابية على مفاصل الاقتصاد   تفعيل قنوات التواصل والتنسيق مع الدول المستضيفة للاجئين  ضحايا بهجوم إرهابي استهدف كنيسة مار إلياس في الدويلعة تفجير إرهابي يستهدف كنيسة مار إلياس في دمشق ويخلّف أكثر من 20 ضحية "مطرقة منتصف الليل"... حين قررت واشنطن إسقاط سقف النووي الإيراني زيادة الرواتب بنسبة 200 بالمئة.. توقيت استثنائي تحسن القدرة الشرائية وتحد من البطالة   خبير اقتصادي لـ " الثورة":  الانتعاش الاقتصادي يسير في طريقه الصحيح  يعيد الألق لصناعتها.. "حلب تنهض"… مرحلة جديدة من النهوض الصناعي زيادة الرواتب 200%.. خطوة تعزز العدالة الاجتماعية وتحفز الاقتصاد الوطني  تأهيل المكتبة الوقفية في حلب بورشة عمل بإسطنبول الشيباني وفيدان يؤكدان أهمية مواصلة التنسيق الثنائي   غلاء أجور النقل هاجس يؤرق الجميع.. 50 بالمئة من طلاب جامعة حمص أوقفوا تسجيلهم تأثيرات محتملة جراء الأحداث على الاقتصادات والتجارة منع ارتداء اللثام لقوى الأمن الداخلي بحمص