لمّا أضأنا النار!!

 للذئبِ في شعرنا العربي القديم حكاياتُ كثيرةٌ وجميلة يمكن لباحثٍ رصينٍ أن يضعَ فيها كتاباً ضخماً؛ وقد حاولتُ أن أفعلَ ذات يوم، لكن نفسي كان قصيراً، فلم يتجاوز ما درستُه ثلاثينَ شاعراً وقصيدةً، من بينها قصيدةٌ جميلةٌ للمُرَقِّش الأكبر، وهو شاعرٌ جاهليٌ فحل، شعرُهُ من الطبقة الأولى وقد ضاع معظمُه، عُرِف عَنهُ أنّه من متّيمي العرب وعشّاقهم وفرسانهم الشجعان، كان لَهُ موقعٌ في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدّم في المشاهد، ونكاية في العدو وحسن أثر.
أحبّ المرقّش امرأةً تدعى أسماء حُبّاً شديداً، فحَفل شعرُهُ بمظاهر هذا الحُب، الذي قدّمته رقيقَ الحاشية صادقاً مولعاً بالطبيعةِ ومشاهِدها، حتى الأوابد منها والوحوش؛ تزوّجت أسماءُ رجلاً من بني مُراد، فمرضَ المرقّشُ زمناً، ثُمَّ قصَدَها فماتَ في حَيّها، قيلَ نحو سنة 75 قبل الهجرة، نحو 550 للميلاد.
وفي قصيدةٍ يفتتحها المُرقّش الأكبر بالوقوفِ على أطلال أسماء هذهِ وقد غادرت، ناعياً وحشةَ المكانِ، وتبدّل حالِه وقسوةَ العيش فيه يقدّم لنا صورةً أخّاذة لزيارة الذئب:
ولمّا أضأنا النار عِنْدَ شوائنا عرانا عليها أطْلَسُ اللون بائسُ
نبذتُ إليهِ حُزَّةً من شِوائنا حياءً وما فُحشي على مَنْ أُجالسُ
فآضَ بها جذلانَ ينفُضُ رأسَهُ كما آبَ بالنهبِ الكميُّ المحُالِسُ
لقد ترك الشاعِرُ تلك الأطلال ومنزل الضنك كما عَبّر في قصيدته تلك:
ومنزلُ ضنكِ لا أريدُ مَبيتَهُ كأني بهِ من شدّة الرَّوعِ آنِسُ
وانطلق على ناقتِهِ في ليلٍ موحشٍ تصاعدَت فيه أصواتُ البوم كالنواقيس:
وتسمَعُ تَزْقاءً من البوم حولنا كما ضُربت بعدَ الهدوءِ النواقس
زقوُ بومٍ لعلّهُ ينذرُ بأن رحلة الشاعر صوبَ ديار أسماء الجديدة هي رحلةٌ باتجاه الموت، لكنّ الشاعرَ الفارس العاشق لا يهتم لذلك هاهو ذا ينزلُ عن راحلتِهِ ويشعلُ النار ويعدُّ الشواء، فيستضيفُهُ الذئبُ، ذئبٌ أغبرُ اللون إلى سواد، حزين وبائس، فيحسُّ المُضيفُ -وهو ابن الصحراء – بحالِ ضيفه، وتأبى عليهِ عاداتُ قومِه أن ينهرَه، أو يسيءَ مُعاملته وهو على ما هو عليهِ من جوعٍ وسغبٍ وبؤسٍ، فيقتطعُ لَهُ من شوائِهِ حُزَّةً ويرميها إليهِ فيقبضُ عليها، ويرجعُ بها سعيداً، يهزُّ رأسَهُ محبوراً، وأمام هذا المشهد يسترفدُ المرقّش قاموسُ فروسيّته، فيستعيرُ لهذا الذئبِ صورةَ الفارس الشجاعِ يكمي شجاعَتَهُ ويستُرها لوقت الحاجة، فيؤوبُ بغنيمَتِهِ بعدَ أن ثَبتَ في القتالِ واستحقَّ الفوز… الشاعِرُ يُعلي من شأن الذئب هنا حين يخلَعَ عليهِ هذا الوصف.. ولو كان لا ينظُرُ إليه باحترامٍ وتقدير لوَجَدَ لهُ وصفاً آخر.. ثمّ دعونا نغوص على أبعادِ هذه الصورة أعمقَ فأعمق؛ فإذا بلغنا لا وعيَ الشاعر ألا نستطيع أن نرى في مشهَدِ هذا الذئب الذي وفّقَ في مأربِه، وعادَ فائِزاً كفارسٍ شجاع، مَا يأمَل الشاعر في تحقيقهِ لنفسه مع أسماء، ألا يقصدُ ديارها وفي نفسِهِ أملٌ كبيرٌ في استعادتها والعودة بها (جذلان ينفضُ رأسَهُ) فَرَحاً.

د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 3-11-2019
الرقم: 17113

آخر الأخبار
الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي