في الوقت الذي تبدو فيه نهاية العدوان الإرهابي على سورية تقترب من خواتيمها المحتومة، تبدأ سلسلة من بوادر الانفجار في الجوار المحيط ما بين بغداد وبيروت، وقد يمتد أبعد من ذلك نحو تونس والقاهرة، فيما يتأرجح الوضع في اليمن في مكانه مراوحة لا تهدأ ولا تستكين، فهل ثمة عوامل تربط بين هذه الحوادث، وخاصة ما يحصل في العراق ولبنان؟
ترتبط المنطقة العربية كلها بعوامل تأثير متبادلة سواء اعترفت حكوماتها بذلك أو أنكرت، فالأمر الذي يقع في الدار البيضاء تصل ارتداداته إلى المنامة، وقد تزداد الموجة قوة في منطقة وتخبو في أخرى، لكنها في النهاية تترك أثرها في المنطقة كلها.
ومنذ اليوم الأول للعدوان الإرهابي على سورية كان من الواضح أن سبب التركيز عليها إنما يستهدف موقع القلب من الأمة العربية ومحور المقاومة، وأن استهداف ليبيا ومصر وتونس واليمن بصورة مباشرة إنما هو التكتيك العدواني الجانبي للتأثير في القلب والمركز، وبذلك تأتي التحركات غير البريئة في كل من بغداد وبيروت كمكملات عدوانية تدعم المخطط الذي لم يقو على الظهور في دائرة التحقيق، فسنوات العدوان الماضية أجبرت الغرب الاستعماري على استخدام مختلف أساليب وطرائق العدوان المباشر، بدءاً من أكذوبة المطالب كوسيلة للتظاهر، مروراً باستخدام المجموعات المسلحة الإرهابية على اختلاف أشكالها وتسمياتها، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر من جانب الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وتركيا في محاولات لتنفيذ الفقرات التفصيلية للمخطط العدواني الهادف إلى السيطرة على مقدرات وثروات المنطقة وسلب قرارها وإرادتها، ففشل جوهر المخطط ليبقى الهامش الذي يغري الأغبياء في استعادة التجارب الفاشلة التي خاضوها.
والواضح أن أكثر من ثماني سنوات من الفشل العدواني على سورية والمنطقة العربية ليست كافية لتعليم المعتدين درساً تجعلهم يغيرون أساليبهم ويغيرون أدواتهم، وها هم يعيدون التجربة ذاتها في الشروط ذاتها معتقدين أن تغيير بعض الشعارات قد يغير في المعادلة، ومثلما كانت أكذوبة المطالب الشعبية مدخلاً للتخريب مع انطلاقة أكذوبة الربيع العربي، نجدها تستعاد بهدف نشر الدمار والخراب وليس السعي لتحقيق المطالب الشعبية وفق صيغ توافقية تبعد شبح القتل والتدمير والخراب، فترتفع شعارات التحريض على ألسنة شخصيات تم إعدادها مسبقاً لتبدأ مرحلة العنف التي يصعب بعدها الاحتكام إلى العقل والمنطق والروح الوطنية والانتماء المجتمعي.
إنها مرحلة تعكس الإفلاس الغربي الاستعماري في القدرة على لعب الدور السابق في الاستئثار بثرواتنا من دون الحاجة لاستخدام العنف أو إرسال الجيوش والاضطرار لاحتلال أراض وإقامة قواعد للحفاظ على مصالحه وأطماعه العدوانية، وبالقدر الذي يعتقد فيه الغرب الاستعماري وخاصة الولايات المتحدة الأميركية بأنها تمتلك من القوة البشرية والتسليحية والإعلامية، وبالقدر الذي تظن أنها قادرة على توظيف عملاء وتابعين فإنها عاجزة عن الاستمرار والثبات في أي موقع كان لأيام معدودة عند انطلاق أول شرارة للمقاومة أو المواجهة مع القوات المسلحة الباسلة، فرفات جندي أميركي واحد تصل إلى الولايات المتحدة الأميركية داخل صندوق خشبي كفيلة بإسقاط الإدارة كلها إن لم تسارع لتلافي ذلك السقوط بالانسحاب، وبالانسحاب فقط، وهو ما ستثبته قادمات الأيام مهما بدا المشهد معقداً، وعلينا أن لا نخدع باستعراض القوة الفارغة، وهنا أعني الإدارة الأميركية بالتحديد قبل غيرها من قوى البغي والعدوان الفرنسية والبريطانية، فما أن ترحل الأولى حتى تلحق بركبها الأخريات من دون إبطاء.
مصطفى المقداد
التاريخ: الاثنين 4-11-2019
الرقم: 17114