ثورة أون لاين:
منوعات
الأربعاء 17-11-2010م
سهيل إبراهيم
تحت نافذتك يعبر العيد الطريق, ويمضي لســـــــبيله كصديق قديم انقطعت بينكما وشائج الألفة, فافترقتما رويداً رويداً حتى بلغتما حد الغربة, لا العيد صار بوســــــعه أن يدغدغ رماد قلبك, ولا أنت تـســتطيع أن تســتضيفه في حدقتيك زائراً نابضاً بالفرح, مجللاً بعباءة الأحلام البهيجة, فالأيام توالت,
والزمن قـســـــــا عــوده في حـــديقتك, والـعـيد لا يحمل هــداياه إلا للأصابع اللينة، والوجوه الطافحة بالـبـشـــــــــر, والعقـول المفتوحة على الأحلام, وهــــي تصعد على درجات العمر القادم, ومن أجل ذلك فاختلس النظر من نافذتك, وتـبـيــن مـلامــح صديقك القديم, وهو يمضي لــســـبيله نحو حدائق الفرح التي جـددت كســـــاءها مــن الــزهـر والأوراق اليانعة في عز خريفها, كي تستقبل عيدها الأثير !
للصغار أعيادهم التي تهـطل عـلـيـهـم في الصباح كـبلورات الثلج الأبيض, فـيتـســابـقـون لالتقاطها قبل أن تذوب, تـسـيـل أصابعهم عليها طريقة الملمـــس, ويتذوقونها بألسـنتهم كفتات السكر الناعم, دون أن يبحثوا عن تفسير يوقظ وعيهم على هذا الطقس الموسـمي الذي تحبل به كل ســــنة, وتلقي جنينه في طرقاتهم حاملاً بين يديه هداياهم ولعبهم وأراجـيـحـهـم وثـيابهم المزركـشة, فتغتبط قلوبهم وتكاد تطير بهم كالعصافير في فضاء أزرق لا يعبر ســكونه سـوى النســيم العليل وضحكات الأطفال, والشهب الملونة, ومفردات الآذان الصاعدة إلى قدس الله, وهي تختلط بدعاء العائدين بثياب الإحرام من شــعاب مكة, بعد أن اغتسلت قلوبهم من غبار الذنوب, وامتلأت بطمأنينة التـوبـة, فانخرطوا مع صغارهم بإحياء مناســـك العيد في شــارع يزدان بالمصابيح الملونة, يعبره العابرون بخطا ثابتة نحو مصير مؤجل محتوم !!
وللشـــــــبان أعيادهم التي يخرجون فيها إلى ملعب الحياة بعقول على وشـــــك الاكتمال, وقلوب تشتعل فيها شـــــموع الاشتهاء وجمرات العشق, ذكورهم يحتضنون رجولتهم المبكرة لاختبارها في عيون الصبايا, وهنَّ يتعثرن على الـرصـيف المجاور بدلالهن المرتبك, وإناثهم يتكحلن بشـــــوق خفي ويخرجن إلى طرقات المدينة بفسـاتين منسـوجة من الـرغبات, وعطر غـامض, وعـيـون مضيئة بالخـيـالات والصـور, فتتــشــــابـك الأكـف, وتتقاطع النظرات, وترتعش الأفئدة, وتنزلق الكلمات على الشــــــــفاه, لتحوك بدايات القصص الجميلة المرشحة للحياة, والذاهبة بقوة الطبيعة نحو تكامل الشـــريكين المعنيين بدوام تداول البـشـر لإرث الحياة وأعيادها التي تفتتح صباحها بالفرح والأمل, وتغلق ليلها على الصمت والفراغ والحيرة !
نحن الـذيـن تقدم بنا العمر, بتنا نتفـرج على الأعـياد بعـيـون بـاردة, نرســـــل أبناءنا إلى مهـرجــان الـفـرح, ونتكئ على عجزنا وقلة حيلتنا, وننـزوي قرب النافذة نتأمل, ونـطـلق الذاكرة إلى الوراء, نستحضر أعيادنا الموغلة في القدم, نستذكر بهجتنا الصافية ونحن ننهض من فراشـــنا مزهوين بقمصان جديدة أعددناها لهذا الصباح الأثير, نتبادل النظر فيما بيننا إخوة وأخوات, أمهات وآباء, أهلاً وأصدقاء, ونسـتعجل سـفرنا المنتظر إلى السـاحات المشتعلة بطقوس العيد, نتراكض في الطريق كســـرب من الحجل البري الذي حط على الأرض وفرش أجنحته على التراب بين صخور الصـوان, نسـتـذكر حياتنا ونحن نتأهب للخـروج إلى الموعـد المنتظر بقامات مســتقيمة وخطا ثابتة وأشـواق مكبوتة, فننخرط على وقع الأغاني في حلقات الدبكة, مزهوين بشبابنا الواثق, وعودنا النضير، ونحن نخطو أولى الخطا نحو حدائق الحب, الذي هيأنا له قلوبنا الدافئة!
تحت النافذة ننظر اليوم إلى الـعيد, وهو يمضي لســـبيله, نـافـضـاً يديه منا, يلقي عـلينا التحية, ويرســـل لنا ذكرياتنا في كتاب طوى صفحاته الأخيرة, فـنـنـشــــــغل بحروفه الباهتة وأســـراره التي غطاها الغبار, ونخترع لذتنا الكاذبة, بما عثرنا عليه بين فصوله من صورنا القديمة, التي أودى بها النسيان !