لايستطيع أي متابع احصاء عدد المعارض والندوات والمحاضرات والأحداث التشكيلية التي شهدها العام الماضي 2019، وذلك لأن عملية استعادة كل الفعاليات تكاد تكون مستحيلة, لاسيما وانه، يتم في أحيان كثيرة، افتتاح عدة معارض، في وقت واحد.
ندوات ومعارض تكريمية
اتخذت خلال عام 2019 خطوات تكريم مجموعة من الفنانين والفنانات، بندوات ومعارض، من ضمنهم الفنان أنور الرحبي والفنان علي الكفري، والفنانة سوسن جلال في ثقافي كفر سوسة، بمشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين والنقاد، كم شهد نهاية العام، ملتقى الفنان الراحل غازي الخالدي، في المركز الثقافي بالعدوي، متضمناً ورشات عمل وندوات وفقرات موسيقية ومعرضاً للمشاركين في أعمال الملتقى. ويذكر أن الخالدي أقام العديد من المعارض داخل سورية وخارجها، وأصدر عدة كتب من ضمنها كتبه، عن برهان كركوتلي الصادر عن وزارة الثقافة عام 2004 والذي يقع في 495 صفحة من القطع الكبير.وكتابه عن حياة واعمال الفنان (ناظم الجعفري – المؤسس الرائد) الصادر عن وزارة الثقافة عام 2006 ويقع في 414 صفحة من القطع الكبير. وكتابه عن سعيد تحسين. وجاء رحيله، بعد أن حقق حلم حياته بصدور كتاب: «الخالدي 1950 – 2000» الذي يقع في 300 صفحة من الحجم الكبير, ويتضمن ذاكرة التجربة الفنية والكتابات والصور الوثائقية، التي تمتد إلى 65 عاماً في بعض الأحيان حين كان غازي الخالدي في الخامسة من عمره..
معارض متواصلة
وشهدت الصالات معارض كثيرة، من ضمنها معرض ليلى نصير في صالة كامل، ومعرض غسان جديد في صالة ألف نون، وهما من ركائز وأعمدة الحداثة في التشكيل السوري المعاصر. وكنا قد تابعنا معرض الفنان مازن غانم الذي تناول فيه معاناة العيش، في مجمع ذكوري ورمز الى ذلك بالطربوش، ثم معرض الفنان عصام درويش (مايشبه الاستعادي) وذلك في صالة عشتار.
وكان قد افتتح معرض الفنانة رولا النويلاتي في «صالة أدونيا» وترافق مع توقيع كتابها الصادر تحت عنوان « دمشقية الحكاية» ولقد تصدرت غلافه إحدى لوحاتها, والمعرض احتوى على مجموعة لوحات بقياسات مختلفة, زيت على كانفاس, تميزت بعناصرها المكثفة في اللوحة الواحدة, وبرؤيتها المختزلة للعناصر والمتداخلة مع التشكيلات الهندسية والمكعبات والدوائر، والمثلثات. وتميزت بنظافة الوانها وتدرجها القزحي بين ثلاثة الوان في أكثر الاحيان.
كما تابعنا معرض الفنانة رولى قوتلي الذي أقامته في مركز ثقافي أبي رمانة تحت عنوان « قصص قصيرة» لإيجاد القوة الإيحائية لعناصرها التعبيرية العفوية, المتفاعلة مع أشكال ومظاهر البيت الدمشقي، من الداخل والخارج معاً (النباتات الشامية وزخارف الشبابيك والشرفات والسجاد والأقمشة والكراسي والطاولات والعناصر التراثية المختلفة) المستمدة من الواقع ومن كل ما تختزنه ذاكرتها من مشاهدات وتأملات، والتي تأخذ أشكال الدوائر والمربعات والمثلثات والإيقاعات الشطرنجية والمساحات والخطوط العفوية المتداخلة.
كما افتتح معرض النحاتة أوديت الديب، في المركز الوطني للفنون البصرية, بحضور إعلامي كثيف ولافت، ولقد احتوى المعرض على أكثر من خمسين منحوتة حجرية، بقياسات مختلفة، اتجهت فيها نحو الاختزال في معالجة الوجوه والعناصر الإنسانية, وبشكل يتلاءم مع تطلعات ثقافة فنون العصر.. كما تبرز في أعمالها النحتية الفراغية الوجوه المفجوعة والضائعة، والتي تعبر عن فجيعتها باستشهاد ابنها منذ حوالي خمس سنوات..
وأوديت تلعب دورها في تقديم صورة مغايرة لنظرة السياح الى المرأة السورية, وتساهم في الحد من انطباع الأجانب السلبي المأخوذ عن المرأة العربية، لاسيما وأنها تستخدم آلات القص والثقب الكهربائية والمطرقة والإزميل، وسط الغبار الكثيف المتصاعد، خلال نحت الكتل الحجرية القاسية. ومن الناحية التشكيلية طغت على أعمالها النحتية المنجزة, الاتجاهات التعبيرية والرمزية, ووصلت الى ضفاف التجريد في بعض منحوتاتها, حيث تختصر حركة الشكل إلى حدود غياب معالمه احياناً.
ولقد شكل معرض الفنانة رانيا المدرس، في صالة مرسم فاتح المدرس، خطوة المعرض العاشر، في سلسلة معارضها الفردية، متضمناً عدة لوحات ورسومات تركزت موضوعاتها حول الوجوه والأجساد والزهور والطيور والقوارب وغيرها، وهي ترسم هذه الموضوعات بإحساس طفولي، وبكثير من الالفة والمحبة والفرح والحزن.
وهي تنتمي لأسرة فنية (والدها الفنان الرائد الراحل فاتح المدرس), وتتجاوز في أحيان كثيرة إطار الواقعية، وتحمل في بعض المقاطع الأخرى ايقاعاتها العفوية اللونية والخطية والاختزال المشحون بعنف التوتر اليومي، وانكسارات الزمن الملتصق بأجواء الدمار والمعاناة.
ولقد استضاف المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، معرضاً مشتركاً للفنان الطبيب ميسر كامل, والفنانة عفاف النبواني,
وميسر يرسم موضوع المرأة بخطوط عفوية، تحدد ملامح الوجه والأجساد والأطراف، ويبدو واثقاً في تركيب طبقات اللون، التي يعمل من خلالها على كسر أفقية الامتداد التسجيلي. فالإيقاع التشكيلي البارز في لوحاته عن موضوعه المفضل (المرأة) يكمن في قدرته على الجمع بين عفوية الخطوط، والتلقائية في إضفاء المساحات اللونية الواسعة، على خلفية اللوحة.
أما عفاف النبواني فتستعيد في لوحاتها، مشاهد من طبيعة وريف السويداء، لتأكيد معطيات ذاكرتها الطفولية، أو تأملاتها, مؤكدة في كل مرة، رغبتها في الانسحاب من الضجة والصخب، والعودة إلى الصفاء والنقاء والإرتماء في أحضان طبيعة السويداء حصراً. وتتنقل في بعض لوحاتها من أقصى حدود الدقة الواقعية إلى حالات الاختصار والتبسيط والعفوية اللونية المتتابعة في فسحات الحقول والمرتفعات والمنخفضات وحركة الغيوم.
رحيل فنانين رواد
خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان د. علي السرميني, الذي رحل صباح الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2019 عن عمر ناهز ال 76 عاماً، وهو أحد أعمدة وركائز الحداثة التشكيلية، ومعلم وأستاذ لأكثر من رعيل فني,
وأحد أكثر الفنانين السوريين غزارة في الإنتاج والعرض, ويكفي أن نقول أنه أقام أكثر من ثلاثين معرضاً فردياً في سورية والخارج, إلى جانب مشاركاته الدائمة والمتواصلة في المعارض الجماعية، وأنجز في السنوات الأخيرة أكثر من ألفي لوحة مائية جديدة غير معروضة، وهي تشكل إضافة كبيرة لتجاربه المتنوعة في إيقاعاتها وتقنياتها ومواضيعها, وتفتح من جديد باب النقاش أو الحوار الثقافي المفيد، كونه في هذه اللوحات يجسد الطبيعة المحلية في رؤى حلمية شفافة.
ومنذ معرضه الأول الذي أقامه في حلب خلال عام 1963 كان سباقاً في إحداث تغييرات جديدة في التجارب التعبيرية الغنائية, وساهم بالتالي في إيجاد تنويعات العناصر التشكيلية الإيقاعية الموسيقية المفترضة في عالمه الفني البصري.
ولقد شكل رحيل الفنان الرائد عزيز إسماعيل (من مواليد انطاكية عام 1927) الذي رحل صباح الأثنين 18ـ 11ـ 2019, لوناً أخر من ألوان الغياب بعد صراع مرير مع المرض.. ومنذ البداية برز كأستاذ في الفن الواقعي, متمكن من التشريح والنسب والمفاهيم الصارمة، حيث كان يبحث عن الأداء العقلاني المدروس والموزون، في خطوات البقاء في حدود الشكل الإيضاحي, الذي يحرك الظلال والألوان، ويمنح الأشكال المرسومة المزيد من الحيوية، ويوجه الفنان لإضفاء الألوان المتوهجة القادمة من تأملات انعكاس الضوء على الوجوه النضرة، والتعبير عن الحالة النفسية التي تعيشها الشخصية, التي كان يفضل أن يجسدها في أكثر الأحيان بألوان زيتية على كانفاس.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الأربعاء 1- 1 -2020
رقم العدد : 17159