يبدو أن كل ماأنجزناه في مجال زراعة الحمضيات على مدى ربع قرن مهدد بالتراجع والانهيار اذا بقيت الجهات المعنية تسجل الاخفاق تلو الآخر في حماية ودعم المنتجين وفِي تسويق الانتاج داخلياً وخارجياً بالشكل الذي ينعكس إيجاباً على الفلاح المنتج والمواطن المستهلك والاقتصاد الوطني.. نقول ذلك في ضوء الواقع الذي نتابعه والخسائر التي يتعرض لها الفلاحون بسبب بيع إنتاجهم بأقل من التكلفة.
هناك توجه واهتمام كبير من قبل وزارة الزراعة بموضوع التحول للزراعة العضوية للحمضيات أو استخدام أسلوب الزراعة الجيدة, حيث إن الالتزام بشروط هذه الأساليب الحديثة يضمن حصول المنتج على شهادة جودة معترف بها عالمياً وهي بمثابة شهادة للمنتج لاختراق الأسواق المستهدفة وهذا العمل هو أساس توجه وزارة الزراعة حالياً وقد بدأت بالحمضيات حيث قامت شركتان -إيطالية وإسبانية -مانحة للشهادات بالتسجيل للعمل في سورية ويتم حالياً تأسيس البنية القانونية والإجراءات اللازمة لتنظيم عمل هذه الشركات بالتنسيق مع الجهات المعنية من خلال برنامج الاعتمادية الذي طرحته وزارة الزراعة ونال موافقة رئاسة مجلس الوزراء مؤخراً,فالحمضيات من أكثر المحاصيل استعداداً وجاهزية للتحول إلى الإنتاج العضوي حسب الشروط العالمية أو الـGAP، حيث أن الكثير من شروط ومراحل التحول قد تم اجتيازها تلقائياً.
ويقول سهيل حمدان مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة ان الهدف من برنامج الاعتمادية المطروح,هو زيادة كمية وقيمة الصادرات الزراعية عبر تحسين جودة المنتج وتسويقه بشكل أفضل, وتحقيق عوائد جيدة للفلاح والشركات المصدرة ومراكز الفرز والتوضيب, وتحسين سمعة المنتجات الزراعية السورية والحفاظ عليها إضافة إلى إعداد قاعدة بيانات دقيقة للمزارع المتوافقة مع شروط التصدير وتحديد كميات الإنتاج وجودته ومواصفاته بدقة, وتأهيل وتحفيز جميع العاملين في السلسلة السلعية للمنتجات الزراعية للعمل وفقاً لمتطلبات التصدير والأسواق الدولية ومعاييرها, وتوجيه التسهيلات الحكومية والدعم الحكومي لتنفيذ ذلك, مضيفاً أنه سيتم بالنتيجة اعتماد مجموعة مزارع محققة لبعض الشروط وستكون ملتزمة بالشروط المطلوبة مستقبلاً وسيتم اعتماد عدة مشاغل محققة للحدود الدنيا للشروط المطلوبة كما حددتها وزارة الصناعة والمستعدة لتطوير ألية العمل وبيئة العمل لديها ليتم اعتمادها من قبل الشركات المانحة لشهادات الجودة.
علماً أنه قامت هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بوضع عدد من المعايير والاشتراطات الواجب توافرها لتأهيل واعتماد شركات تصدير المنتجات الزراعية الراغبة بالانضمام لبرنامج الاعتمادية.
التسويق
ويؤكد حمدان رداً على سؤال (الثورة) حول تسويق الانتاج أنه لم يرافق هذا المنتج الهام أي اهتمام وتطوير في تقنيات الفرز والتوضيب المختلفة التي تحتاجها ثمرة الحمضيات بعد القطاف بهدف التصدير، باستثناء عدد قليل من المشاغل المتطورة التي تم انشاؤها وحتى هذه المشاغل المتطورة بنظر البعض حالياً تفتقر لأهم مرحلة وهي الفرز الضوئي (يضمن فرز الثمار حسب اللون والحجم وخلوها من الآفات أو الكدمات التي لايمكن للعين البشرية ملاحظتها) وهو ما يبرر فشل العملية التصديرية للأسواق العالمية خلال السنوات السابقة وبكميات كبيرة حتى تاريخه (نجاح تصدير عشرات البرادات لا يشكل أي قفزة نوعية على مستوى المحصول لأن هذا النجاح لا يتجاوز 1% من إجمالي الحمضيات في أحسن الأحوال)،ويضيف: إن هذا الأمر مسؤولية عدة جهات حكومية معنية بالتسويق الداخلي والخارجي والجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق القطاع الخاص الذي لم يستطع وضع خطط واضحة طويلة أو قصيرة المدى للنجاح في تصدير الحمضيات السورية, ويمكننا القول (وحسب رأينا ورأي جميع الخبراء الأجانب الذين تعاطوا مع ملف الحمضيات وتعرفوا على نوعية الحمضيات السورية) أنها تستطيع المنافسة وإثبات الوجود في أي سوق خارجية في حال وصلت بالشكل المناسب حسب شروط الفرز والتوضيب العالمية المتعارف عليها، ولكن اقتصار التجار وأصحاب مشاغل الفرز والتوضيب بالتسويق إلى العراق والتي تعتبر كسوق سورية داخلية أي إنها لا تحتاج لعمليات فرز وتوضيب عالي الدقة وبالتالي لم يحصل تطور يمكن ذكره في مجال إقامة مراكز فرز وتوضيب حسب المواصفات العالمية ((تحوي جميع مراحل الغسيل والفرز والتشميع والتوضيب)).
ويتابع مدير المكتب:إن ما وصل إليه وضع الحمضيات حالياً وخاصة بعد صعوبة الوصول للأسواق العراقية وتراكم الإنتاج في الأسواق المحلية والانخفاض الكبير في أسعاره جعل المزارعين يبدؤون بإهمال هذه الشجرة المعطاءة من ناحية تأمين مستلزمات نموها وإنتاجها (ري – تسميد – تقليم…..) والبعض أصبح يفكر ببديل عنها ليؤمن لقمة عيشه، وبرأينا كفنيين واختصاصيين ومطلعين على واقع زراعة الحمضيات فإن وصول منتج الحمضيات السورية إلى الأسواق الخارجية بمواصفات مقبولة عالمياً ليس بالأمر الصعب في حال وجود تجار ومصدرين يسعون بحرفية لفتح أسواق خارجية للحمضيات السورية ويسعون لبناء سمعة تعود بالفائدة لهم وللاقتصاد الوطني لأنها تتمتع بجميع المواصفات المطلوبة.. ويرى ان المطلوب للحفاظ على هذه الزراعة وتطويرها يتمثل بتنفيذ ما يلي حالياً:
– اعتماد مواصفات الحمضيات السورية محلياً ونشرها عالمياً من خلال الدعاية والسفارات وخاصة مايتعلق بخلوها من الأثر المتبقي للمبيدات (تموين – زراعة – هيئة الجودة – صناعة – إعلام).
– التواصل مع الجهات المعنية للإسراع بتنفيذ معمل العصير الخاص بالحمضيات في اللاذقية (صناعة – زراعة – مالية – تخطيط – اتحاد الفلاحين – التموين)
– تحديد الأسواق المستهدفة بالحمضيات السورية.. العصير أو الثمارالطازجة على المدى البعيد والقريب, وبالتالي تحديد الأصناف المطلوبة ومواصفات هذه الأصناف لنضمن دخول الأسواق المستهدفة ونحقق القيمة المضافة (زراعة – اقتصاد – تموين – صناعة – اتحاد المصدرين).
– تشجيع إقامة مشاغل الفرز والتوضيب الحديثة ووضع شروط صارمة وواضحة للمشاغل المعتمدة للتصدير حالياً يوجد حوالي 50 مشغل فرزوتوضيب للحمضيات في اللاذقية,ومنهم فقط حوالي خمسة مشاغل يمكننا التصدير منها مبدئياً,ولكنها كلها تفتقر للتقنيات الحديثة وخاصة الفرز الالكتروني، وكذلك لليد والنظرة الخبيرة بالتصدير والمواصفات المطلوبة حسب البلد المستهدف – في طرطوس لايوجد سوى مشغل واحد.
– نشر مفهوم تخزين الحمضيات بالبرادات أو بالجو الغازي المعَدَّل, حيث يعتقد الكثير من العاملين في مجال الحمضيات بأنه لايمكن تخزينها,فمن المعروف إمكانية تخزين الحمضيات حسب الصنف.
– إقامة معمل للعبوات الكرتونية المعتمدة في التصدير أوالتسويق المحلي وبمواصفات قياسية متعارف عليها عالمياً .
– تقديم التسهيلات للشركات الخاصة المانحة لشهادة الإنتاج العضوي ودعم هذه الشركات التي ستؤمن مراقبة أو تسويق الحمضيات ا لعضوية حسب شروط وضوابط محددة وتشجيع ودعم التحول للزراعةالعضوية لما لها من أهمية في تسويق الإنتاج على المدى البعيد .
– دعم المؤسسات الحكومية ذات التدخل الإيجابي وحصر دورها بالتدخل الإيجابي (أرباح قليلة وكميات كبيرة وليس كتاجر همه الربح فقط) .
– إعادة هيكلة وتنظيم عملية النقل البري والبحري من الموانئ السوريةوتأمين مستلزماتها المادية والقانونية وتحقيق شروطها المثلى حسب الشروط العالمية المعروفة، والتخلص من تحكم الشركات من الدول المجاورة بعمليات التصدير لدينا وحصر الأرباح الناتجة عن النقل للسوريين حكومة وأشخاصا .
– الحد من دور بعض السماسرة والضمَّانة وتجار الجملة والمفرق وتحكمهم بأسعار الشراء والمبيع بدون وجود أي آلية حديثة للمراقبة سوى مراقب التموين الذي يخضع لكثير من المؤثرات الخارجية وحصر دور سوق الهال كوسيط فقط ، حيث أن الربح الأكبر من زراعة الحمضيات يحصل عليه عدد قليل من الأشخاص السابق ذكرهم (أكثر من 50 مليار ليرة سورية) تضيع على المنتج ويدفعها المستهلك ولعدد قليل من الأشخاص، وأحد أهم الخطوات المطلوبة وبالسرعة القصوى أتمتة أعمال البيع والشراء في سوق الهال واعتماد الفوترة الآلية ، وتحصيل الرسوم والضرائب آلياً.
– وضع شروط وضوابط ومواصفات للحمضيات السورية المراد تصديرها،وإنشاء جهة حكومية متخصصة ومدربة لمراقبة تصديرها من المزرعة مروراً بالمشغل والمرفأ ومتابعتها وتقييمها بعد وصولها للوجهة المقصودة ،ومعالجة الأخطاء إن وجدت، من هذه الجهة التي يجب أن تملك الصلاحيات والخبرة والإمكانية لضبط ومراقبة عملية التصدير وتطويرها بشكل مستمر .
– حصر الدعم الزراعي أو غيره فقط بالمزارعين والمنتجين الملتزمين بالخطط الموضوعة والمواصفات والأصناف المطلوب زراعتها .
– تشجيع ودعم إقامة الشركات المساهمة المتخصصة والخبيرة والعاملة في مجال الحمضيات نظراً للخصوصية وتقديم كل التسهيلات والإعفاءات لإقامتها في المنطقة الساحلية حيث زراعة الحمضيات (مصر في أواخر 2015 أحدثت شركة قابضة للتسويق الزراعي لحل مشاكل الفلاحين) .
– الدعم الإعلامي الكامل للحمضيات السورية وأهمية استهلاكها ونشرثقافة استهلاكها طازجة أو عصيرا طبيعيا ، وكبديل أرخص وأفضل من المكثفات الصناعية المستوردة بالدولار والضارة بالصحة .
تدخل .. ولكن !
وللوقوف على عملية تسويق انتاج الموسم الحالي خاصة بعد الوعود والقرارات الحكومية بالتدخل والدعم تابعنا الأمر مع المعنيين في طرطوس فتبين أن الوعود بجهة والتطبيق بجهة اخرى وضمن هذا الإطار يقول عضو المكتب التنفيذي المختص عن قطاع الزراعة راتب ابراهيم : يتم تسويق سيارتين يومياً بمعدل عشرة أطنان لكل سيارة والتسويق إلى مختلف المحافظات لاسيما بعد التواصل من قبل محافظة طرطوس مع المنطقة الجنوبية لتسهيل عملية التسويق بدون عوائق ، وفي الآونة الأخيرة تم الاتفاق مع وزارة التجارة الداخلية على تأمين عدد لا بأس به من السيارات لتقوم بنقل المحصول مجاناً إلى بقية المحافظات عبر السورية للتجارة ، وهو ما يفترض أن يتم فعلاً بينما تعمل المحافظة على تأمين مادة المازوت لهذه السيارات التي تنقل محصول الحمضيات ، كما تم تشكيل لجان من السورية للتجارة واتحاد الفلاحين والتموين والزراعة بإشراف عضو المكتب التنفيذي المختص للإشراف على عملية التسويق .
ويشير ابراهيم الى أن كل الكميات التي تم إحضارها إلى السوق يتم تسويقها كاملة ، والأسعار قريبة من السعر التأشيري الصادر عن اللجنة الاقتصادية فيما يتعلق بالقشريات ، أما الحامض فأسعاره جيدة هذا العام وتتراوح بين 300-325 ليرة للكيلو وهو بتحسن دائم.
علماً أن العمل جاربدون توقف من خلال الشركات الأجنبية التي تعمل مع الجهات الحكومية المعنية لمنح شهادة الاعتمادية التي يمكن من خلالها دخول الأسواق الأوروبية ، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأسعار والمزارعين ، كذلك في السوق العراقية واللبنانية يمكن أن تساهم بتحسين الأسعار بشكل كبير من خلال فتح المعابر بين البلدين.
اتحاد الفلاحين ينفي
مضر اسعد رئيس اتحاد الفلاحين بطرطوس قال ان وضع التسويق سيئ وأسوأ من الأعوام السابقة حيث لم يتم تسويق سوى مئتي طن في أكثر من شهر من قبل (السورية للتجارة) وهذا رقم غير مقبول وغير معهود ، لافتا الى ان الكمية المسوقة لم تتم بعلم فرع الاتحاد حتى ولا من اي فلاح تم شراؤها او جهة وانما تمت بطرقهم الخاصة .
وفيما اذا ارتفعت اسعار الحمضيات كما يقول البعض أشار اسعد الى ان الامر يعود لارتفاع أسعار كافة السلع بالأسواق بسبب انخفاض سعر الصرف أي ان الامر لم ينعكس على الفلاح فالفلينة كانت ب200 ليرة واليوم اصبحت ب 230 ليرة .
وطالب اسعد كحل لهذه المشكلة المتأزمة ان يتم إحداث شركة متخصصة بالتسويق تتبع لوزارة التجارة الداخلية او غيرها لان دمج المؤسسات كافة بالسورية للتجارة بما فيها الخزن والتسويق أدى لتعدد مهامها التجارية والربحية والريعية وهذا أضر بالجانب التسويقي من ناحية العمل والخبرة وانعكس سلباً على المنتجين وبحيث تكون المؤسسة وفق ما اشار مدعومة من الحكومة بالاموال اللازمة سواء لتسويق الحمضيات او اي محصول آخر بحاجة او تعرض لانتكاسة الى جانب فتح أسواق خارجية للتصدير.
هيثم يحيى محمد – ربا أحمد
التاريخ: الأربعاء 1- 1 -2020
رقم العدد : 17159