أصدرت ويكيليكس يوم الجمعة الماضي المزيد من الرسائل الإلكترونية والوثائق الداخلية الخاصة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية, (OPCW) المتعلقة بالهجوم الكيميائي المزعوم على دوما في سورية، في 7 نيسان 2018. وهذا الإصدار هو التسريب الرابع المتعلق بالهجوم المزعوم، وهو حادثة استخدمت ذريعة لشن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا غارة جوية ضد سورية.
لقد نشرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرها النهائي عن هجوم دوما في آذار 2019، وخلصت إلى أن الأدلة قدمت «أسباباً معقولة تؤكد حدوث استخدام السلاح الكيماوي والمتمثل بـ «كلور جزيئي محتمل». ولكن منذ نشر هذا التقرير، تم تسريب العديد من المستندات وظهور العديد من شهود العيان والمبلغين الذين أشاروا إلى عكس ذلك, وتشير الدلائل المتزايدة إلى أن التغطية حدثت داخل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي فضيحة لم تحظ بأي اهتمام من قبل وسائل الإعلام الرئيسية.
إحدى التسريبات الجديدة هي سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني بين موظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW بتاريخ 28 شباط 2019، قبل يومين فقط من نشر التقرير النهائي. حيث تظهر الرسائل الإلكترونية سيباستيان براها وهو رئيس مجلس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يأمر بحذف وثيقة من السجل الآمن لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. يقول البريد الإلكتروني، «يرجى الحصول على هذا المستند من أرشيف سجل الوثائق)… والرجاء حذف جميع الآثار، إن وجدت، من التسليم /التخزين/ أو أي شيء آخر».
الوثيقة التي أمر براها بإزالتها هي التقييم الهندسي الذي درس الأسطوانات التي وجدت في موقعين منفصلين في دوما, كان الادعاء بأن هذه الأسطوانات قد أُسقطت من طائرة تابعة للحكومة السورية وكانت هي مصدر غاز الكلور. لكن هذا التقييم الهندسي يشير إلى احتمال مغاير.
قام بإعداد التقييم إيان هندرسون، وهو مهندس في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ فترة طويلة, ويخلص تقرير هندرسون إلى أن «الملاحظات في مكان الموقعين، إلى جانب التحليل اللاحق، تشير إلى أن هناك احتمالاً أكبر بوضع كلتا الإسطوانتين يدوياً في هذين الموقعين وليس إسقاطهما من الطائرة», إذا تم وضع الأسطوانات يدوياً في مكان العثور عليهما، ما يؤكد نظرية أن الهجوم شنه» جيش الإسلام « وهو جماعة معارضة كانت الحكومة السورية تعمل على طردها من دوما, لكن تقييم هندرسون استبعد من التقرير النهائي.
يؤكد هذا التسريب الجديد قصة كتبها بيتر هيتشن لصحيفة الميل .ووفقًا لهيتشن، بعد بذل كل جهد ممكن لتضمين تقييمه في التقرير النهائي، قرر هندرسون تحميله على أرشيف سجل الوثائق, بعد تحميل المستند، أمر مسؤول كبير في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الملقب بـ «فولدمورت» بمسحه, وقد كتب هيتشن، «عندما سمع» فولدمورت «بهذا، أرسل بريداً إلكترونياً إلى الموظفين قائلاً:» الرجاء الحصول على هذا المستند من أرشيف سجل الوثائق… ويرجى إزالة جميع الآثار، إن وجدت، من عملية التسليم /التخزين/ أو أي شيء آخر».
قام هندرسون بتسريب تقييمه الهندسي إلى الفريق العامل المعني بسورية وكذلك لوسائل الإعلام والدعاية، وتم نشره في أيار 2019, ومنذ نشر تسريب هندرسون، تم تشويه شخصيته كوسيلة لنزع الشرعية عن تقييمه. وعلقت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن هندرسون «لم يكن قط عضواً في بعثة تقصي الحقائق».
لكن الأدلة من التسريبات السابقة تبين أن هندرسون كان بالفعل عضواً في بعثة تقصي الحقائق التي ذهبت إلى دوما.
رسالة بريد إلكتروني من مجموعة من الوثائق الصادرة عن ويكيليكس في 14 كانون الأول، موجهة إلى مسؤول كبير في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تصف الادعاء بأن هندرسون لم يكن جزءاً من بعثة تقصي الحقائق بـ «الكاذبة», تقول الرسالة الإلكترونية المؤرخة 20 أيار 2019، «إيان هندرسون كان جزءاً من بعثة تقصي الحقائق، وهناك الكثير من الوثائق الرسمية والأدلة الداعمة الأخرى تشهد على ذلك.»
صدرت وثيقة أخرى في 14 كانون الأول وهي مذكرة موجهة إلى المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو آرياس بتاريخ 14 آذار 2019. في المذكرة ، يوضح الكاتب، الذي من المرجح أنه إيان هندرسون، أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لم يتم إعداده من قبل بعثة تقصي الحقائق التي ذهبت إلى دوما. تقول المذكرة إن التقرير أعده «فريق أساسي من بعثة تقصي الحقائق» والذي كان يعمل فقط في «البلد X» ، بينما ذهب المسعفون إلى دوما. ومن المحتمل أن يكون «البلد X « هو تركيا حيث ذهب محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى هناك لمقابلة الشهود المزعومين.
توضح هذه المذكرة أن هناك مجموعتين يمكن تسميتهما «بعثة تقصي الحقائق». الأولى ذهبت إلى دوما ولم يكن لها رأي في التقرير النهائي، ومجموعة أخرى عملت فقط في «البلد X». وعلى الأرجح أن هندرسون كان عضواً في بعثة تقصي الحقائق التي ذهبت إلى دوما، والتي تم تجاهل نتائج عملها.
وكانت وثيقة أخرى صدرت يوم الجمعة وهي محضر اجتماع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية مع علماء السميات الذي عقد في 6 تموز 2018. ووفقاً للوثيقة، التقى أربعة من موظفي المنظمة مع «ثلاثة من علماء السميات / الصيدلة الإكلينيكية والمختصين جميعاً في الأسلحة الكيميائية. وكان للاجتماع غرضان. كان أحدهما «التماس مشورة الخبراء بشأن قيمة استخراج الضحايا المشتبه بهم من الهجوم الكيميائي المزعوم» ، وكان الغرض الآخر هو «استنباط آراء الخبراء من علماء السميات الشرعيين فيما يتعلق بالأعراض الملحوظة والمبلغ عنها للضحايا المزعومين».
وفقاً للمحضر، تم إعلام فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من قِبل الخبراء بأنه لن يكون هناك «فائدة تذكر» في إخراج الجثث وإجراء عمليات تشريح الجثث، وهو الأمر الذي لم تفعله البعثة.
فيما يتعلق بأعراض الضحايا المزعومين، طبقاً للمحضر، «لخص كبير الخبراء استنتاجاته من خلال تقديم احتمالين شملا من ناحية هجوماً كيميائياً حقيقياً ومن ناحية أخرى، احتمال أن يكون الحدث ممارسة دعاية.» بقدر ما تتوافق الأعراض مع التعرض لغاز الكلور، «كان الخبراء حاسمين في بياناتهم بأنه لا يوجد ارتباط بين الأعراض والتعرض للكلور».
تقول الوثيقة: إن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي حضر الاجتماع اتفقوا جميعاً على «أن الرسالة» الرئيسية من الاجتماع كانت أن الأعراض التي لوحظت تتعارض مع التعرض للكلور ولا يمكن تحديد أي مادة كيميائية أخرى تسبب الأعراض».
أصدرت ويكيليكس أيضاً مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني من موظفي المنظمة الذين يناقشون الاجتماع، مؤكدة محتوى المحضر الذي تم تسريبه.
تتوافق استنتاجات علماء السميات وأعضاء فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذين حضروا الاجتماع مع التقرير المؤقت الأصلي الذي لم تنشره منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولم يتم نشره إلا بعد أن نشره موقع ويكيليكس في 14 كانون الأول. يقول ذلك التقرير: «بعض العلامات والأعراض التي وصفها الشهود والمشار إليها في الصور وتسجيلات الفيديو التي التقطها الشهود، للضحايا المزعومين لا تتوافق مع التعرض للاختناق المحتوية على الكلور أو عوامل مثل غاز الكلور أو الفوسجين أو كلوريد السيانوجين». وقد تم حذف هذا الجزء من التقرير بالكامل من النسخة المعدلة للغاية من التقرير الذي تم نشره في السادس من تموز 2018.
نشرت ويكيليكس بريداً إلكترونياً في 23 تشرين الثاني من أحد أعضاء بعثة تقصي الحقائق التي توجهت إلى دوما، معرباً عن قلقه إزاء التقرير الذي تم تغييره. واجه كاتب هذا البريد الإلكتروني العديد من المشكلات مع التغييرات التي أُدخلت على التقرير، ومن بينها القسم الذي يتناول الأعراض على الضحايا.
تقول الرسالة الإلكترونية: «يناقش التقرير الأصلي بالتفصيل التناقض بين الأعراض، كما أفاد الشهود وكما ظهر في تسجيلات الفيديو. إن حذف هذا القسم من التقرير له تأثير سلبي خطير … لم يلاحظ عدم التوافق من قبل بعثة تقصي الحقائق ولكن أيضاً من قبل ثلاثة من علماء السميات من ذوي الخبرة في التعرض لعوامل الأسلحة الكيميائية».
يذكر التقرير النهائي مشاورتين مع اختصاصيي السموم، إحداهما في أيلول 2018 والأخرى في تشرين الأول 2018، لكن لم يتم تقديم تفاصيل من المشاورات, يقول التقرير النهائي: إن أعراض الضحايا المزعومين كما وصفها الشهود والتي تمت مشاهدتها في مقاطع فيديو مفتوحة المصدر «تشير إلى التعرض لمادة استنشاقية أو مادة سامة». يقول التقرير أيضاً: «من غير الممكن حالياً ربط سبب الأعراض بمادة كيميائية محددة بدقة».
لو كان لدى بعثة تقصي الحقائق التي أعدت التقرير النهائي دليل على أن أعراض الضحايا المزعومين كانت متوافقة مع التعرض للكلور، لكان تم إدراجها في التقرير. ويؤكد غياب مثل هذا الادعاء أنه على الرغم من إجراء مزيد من المشاورات مع علماء السميات، إلا أنه لم يتم التوصل إلى هذا الاستنتاج مطلقاً. بدلا من ذلك، يقاد القارئ إلى الاعتقاد بأن الضحايا قد قُتلوا بواسطة غاز الكلور بالاستنتاج النهائي للتقرير والقائل بترجيح حدوث الهجوم باستخدام الكلور السام.
منذ ظهور تسريبات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هذه، يحاول موظفو موقع البحث الاستقصائي بيلينغكات مسحها وإخفاءها (تجدر الإشارة إلى أن بيلينغكات يتلقى منحاً من المؤسسة الوطنية للديمقراطية والتي تمولها الولايات المتحدة).
يتهم «المحققون» في بيلينغكات الآن ويكيليكس بنشر انتقائي لهذه المستندات لتتناسب مع السرد، ويدعون أن كل تسريب جديد يشوه السابق. ولكن وكما هو موضح أعلاه، فإن التسريبات الجديدة تدعم بوضوح ما سبقها.
لا يمكن لأي صحفي أو محقق نزيه أن ينظر إلى كل هذه التسريبات ويقول: إنه لا يوجد شيء هنا. تشير الأدلة إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تجاهلت النتائج التي توصل إليها محققها لإعداد تقرير يناسب سرداً معيناً.
تحتاج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى نشر جميع استنتاجات أعضائها وتوضيح سبب اختيارها لتجاهل البعض, والحقيقة هي أن هجوم دوما الكيميائي المزعوم أدى إلى غارة جوية أميركية وإذا تم تنفيذ تلك الغارة الجوية بذرائع كاذبة، فيجب الكشف عنها.
عن أنتي وور-ديف دوكامب
أمل سليمان معروف
التاريخ: الأربعاء 1- 1 -2020
رقم العدد : 17159