يتصاعد الجدل حول مدى التزام الولايات المتحدة بقرار البرلمان العراقي الصريح الذي يطالب الحكومة بالعمل على إنهاء الوجود الأميركي في العراق بعد التصريحات النارية للرئيس الأميركي والتعويضات الباهظة التي يريدها .
من المعروف أن القوات الأميركية الموجودة في العراق لم تحترم في يوم من الأيام سيادة العراق منذ احتلالها له وتدميره ونشر الفوضى فيه و تحويل أراضيه خلال السنوات العشر الأخيرة إلى موطئ قدم للاعتداء على الدول الأخرى، الأمر الذي أدى لانعدام الاستقرار وإحراج الحكومة العراقية في العديد من المفاصل مع الدول المجاورة و اغتيال الفريق سليماني وتداعياته الخطيرة وضع الحكومة العراقية أمام واقع لا يمكن السكوت عليه.
ما أثاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شروط لسحب قوات بلاده من العراق هو تهرب واضح من احترام قرار البرلمان العراقي علما أن الاتفاقات بين البلدين لم تتضمن بنودا تلزم الحكومة العراقية بدفع نفقات القوات الأميركية والقواعد التي تبنيها لهذه الغاية.
ويصب تهديد الرئيس الأميركي بفرض عقوبات «غير مسبوقة» على العراق، إذا مضت بغداد قدما في طرد القوات الأميركية في إطار الضغوط الأميركية على الحكومة العراقية وإشاعة حالة عدم الاستقرار الداخلي بين أجهزة السلطة العراقية لضرب مبدأ التوافق الوطني على سحب القوات الأميركية.
المتابع لفحوى التصريحات الأميركية المتشنجة ومقارنتها مع تصريحات سابقة للرئيس الأميركي وخاصة الداعية إلى سحب الجنود من العراق وسورية والمنطقة يصنفها في خانة الابتزاز الذي يحاول ترامب ممارسته ضد الحكومة العراقية بالتوازي مع آراء متناقضة داخل إدارته لا تتفق مع مسألة سحب القوات حتى لو قبل العراق دفع المبلغ الأولي الذي أعلنه ترامب.
و يعمل الرئيس الأميركي على استثمار هذا الموضوع على المستوى الداخلي في خلافه مع الرافضين داخل إدارته لتقليص القوات الأميركية في المنطقة و تحويله إلى ورقة رابحة في الصراع الانتخابي مع الحزب الديمقراطي الذي يحمله ترامب مسؤولية هدر أموال الأميركيين في تأمين الحماية لدول أخرى من دون مقابل.
لا شك أن التصريحات والتهديدات الأميركية للحكومة العراقية ستكون في مسار تصاعدي وخاصة إذا مضت بغداد في تنفيذ قرار البرلمان، وهذه الحكومة أو التي ستخلفها ستكون أمام خيارين: الأول خوض معركة قانونية مع الجانب الأميركي والإصرار على سحب القوات الأميركية وهو الأسلم بالنسبة للعراق ، والثاني: الرضوخ للضغوط الأميركية والتقاعس في مطالبة واشنطن بسحب قواتها وفي هذه الحالة تكون ثبتت الحق على بلادها بدفع نفقات القوات الأميركية وفتحت الباب واسعا أمام مزيد من المشاكل على كل المستويات.
يخطئ من يعتقد أن الحكومة العراقية قي موقع الضعيف إذا ما أحسنت إدارة هذا الملف ومن المفروض عليها أن تذكر الولايات المتحدة بأن الشعب العراقي هو من يحق له مطالبة واشنطن بدفع التعويضات الكبيرة بعد الاحتلال الأميركي للعراق وتدمير مقومات الدولة خلافا للقوانين والشرعية الدولية ومن دون غطاء من مجلس الأمن.
لقد أقر الرئيس ترامب في حملته الانتخابية أن بلاده في عهد الرئيس اوباما هي المسؤولة عن ظهور تنظيم داعش الإرهابي وتمويله وتسليحه، وتشير آخر التقديرات إلى أن إعادة إعمار العراق من جراء التدمير الذي خلفه التنظيم والعمليات العسكرية الأميركية يبلغ 88 مليار دولار، وهذا المبلغ يبلغ عشرة أضعاف ما يطلبه ترامب من الحكومة العراقية.. وهذا جزء بسيط إذا ما أحصى العراق تكلفة إعماره بعد الاحتلال الأميركي وهو في المحصلة ورقة قانونية وإنسانية وحق مكتسب للشعب العراقي.
أحمد ضوا
التاريخ: الأحد 12-1-2020
الرقم: 17166