هروب الضمائر..

لا يستطيع العقل أن يتخيّل الإنسان من دون ضمير.. فهو الخط العريض الذي عليه ترتبط خيوط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، فالماضي من خلال الذاكرة التي سرعان ما يتحرك وميضها لتنبيه العقل إلى أنّ هذا التصرّف الحاضر يستقيم مع ما يجب علينا فعله تبعاً لحزمةٍ من الفضائل والأخلاقيات كالصدقِ والأمانة – مثلاً – إذ سرعان ما تحضر هذه المفاهيم بجلالة قدرها، وكل من يحاول أن يحجبها ويفعل ما يريد فعله بعيداً عنها توخزهُ الذاكرة، حتى وإن كابر وأقنعَ نفسه باقتراف فعلته.. ولكنه لن ينجو من تأنيب الضمير.. أو تبكيته، وسيبقى جاثماً على قلبه، فالضميرُ لا يموت ولكن قد يُقال جانباً.. وإن أُقيل فدوره يبقى صارخاً.. وإن كان صُراخاً بصمت، ولا يتخلى عن ملاحقة الأخطاء في القادم من الأيام.. فيتحوّل المستقبل إلى جرحٍ مفتوح لا يتوانى الضمير عن نكئه كلما سنحت له الفرصة.
لا ندري كيف أن الكثير من رجال الأعمال في بلادنا يَقبلون على أنفسهم العيش في مثل هذه الحالة البائسة من تأنيب الضمير وتبكيته من خلال مسألةٍ يتظاهرون باستسهالها، ويعتبرونها عابرة، وهي قضية التهرّب من الضرائب، وهي حقٌّ مُستحق للدولة، وهم يدركون هذا جيداً، ولكنهم يتهربون من هذا الحق، وصار – مع الأسف – من أهم أساسيات عملهم وجود دفترين لحسابات الدخل والأرباح، دفتر وهمي خاسر، وآخر حقيقي رابح، وما إن يُطالبوا بهذا الحق الضريبي حتى يُخفون دفاترهم الحقيقية، ويبرزون الدفاتر الوهمية مُتباكين بأن الأعمال متباطئة، وحركة تداول السلع والمنتجات شبه مُجمّدة.. وبالتالي لا دخل ولا أرباح..!
كل واحد من هؤلاء يُقيل ضميره جانباً، ويقترف هذا الكذب والرياء، ويتظاهر بالسعادة لفوزه بهذا الخطأ الجثيم، غير أنّ ضمائرهم تعلم جيداً بأن هذا الهروب والتهرّب لا يلغي ذلك الخطأ، وأن حق الدولة تجاههم يجب أن يؤدّوه لقاء خدمة الدولة لهم بتأمين خدماتهم، وإفساح المجال لهم بفرص عملهم وإنتاجهم وأرباحهم في كنفها، وعلى أرضها التي هي بالنهاية أرض الوطن.
فكيف يستطيعون النوم وهم يُمرّرون مثل هذه الخطيئة الأشبه بالسرقة..؟! لا بل إنها سرقة موصوفة، ولا نبالغ إن قلنا بأنها تُلامس حدود الخيانة.
ليس عبثاً أن يصل إيمان بعض رجال الأعمال في بعض الدول المتقدّمة بأنّ أداء الضريبة واجبٌ مقدّس، والتخلّف عنها منقصة وأمر مخزٍ لا يمكن احتماله.. إنها ثقافة الرقي والأمانة التي لا يزال البعض بعيداً عنها تاركاً العنان لتأنيب الضمير ووهم الهروب..!

علي محمود جديد
التاريخ: الاثنين 13-1-2020
الرقم: 17167

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة