ربما يظن الكثيرون أن قيمة فارس زرزور الابداعية والروائية جاءت من أنه تناول حياة المهمشين والفقراء السوريين, وهذا ليس بخطأ, فظنهم فيه الكثير من الصواب والحقيقة, وهل الادب غير أن يكون ابن الحياة وصورتها ونبضها والقدرة على اجتراح عوالم أخرى مغايرة تدعو للأمل والتفاؤل, وهذا ما كان يسمى بالتفاؤل الثوري؟
فارس زرزور لم يطوه النسيان, بل المشهد الثقافي والابداعي تناساه كثيرا أو قليلا لايهم, لكنه يعود اليوم من جديد لأن الاصيل من الأدب والفكر لايمكن أن يبتعد, مهما أهيل عليه التراب, فلابد أن برعما قويا من جذر صلب غض وأخضر سوف يعود, هكذا هم الكتاب الحقيقيون, ومنهم فارس زرزور الروائي السوري, الذي رحل منذ عقود من الزمن وسط صمت مطبق, وكان قد عاش مرارة الفقر والتشرد, لولا أن يدا حانية قد احتضنته وكرمته أن يكون في هيئة تحرير جريدة الثورة, يكتب ويعمل, وخصصت له راتبا حينها, وكانت الجريدة ملاذه النهائي..في هذا الشهر تمر ذكرى رحيله, ونحن نعود إلى منجزه الروائي والقصصي, نتذكر البطولات, ونذكر الجولان, والنضال ضد المحتل الفرنسي, وفي الذاكرة الكثير مما يقال عن أدبه وما قدمه.
محطات
(من مواليد دمشق 1930) يعد الأديب فارس زرزور من أبرز كتّاب الأدب الواقعي، ومن أهم كتّاب الرواية التاريخية في الأدب السوري المعاصر.
نال الشهادة المتوسطة في عام 1947 وعين معلماً في محافظة الجزيرة, ثم نال الشهادة الثانوية في عام 1949، فانتسب إثرها إلى الكلية العسكرية، متأثراً برواية «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» للكاتب الألماني إريش ماريا ريماركو، تخرج فيها ضابطاً.
أهم أعماله الروائية
حسن جبل 1969, لن تسقط المدينة 1969, اللااجتماعيون 1970, الحفاة وخفي حنين 1971, الأشقياء والسادة 1971, المذنبون 1974, آن له أن ينصاع 1980, كل ما يحترق يلتهب 1989.
من مجموعاته القصصية
حتى القطرة الأخيرة – دمشق 1960, 42 راكباً ونصف- دمشق 1969, لا هو كما هو – تونس 1975, غرفة للعامل وأمه – دمشق 1976, أبانا الذي في الأرض – دمشق 1983.
بدايات
بدأ زرزور خطواته الأولى في مجال الكتابة القصصية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، ونشر بعض قصصه منذ عام 1950 في مجلة «الجندي».
اهتم الكاتب بالقصة القصيرة جنساً أدبياً، ونشر مجموعات لافتة، منها «حتى القطرة الأخيرة» (1961)، و«اثنان وأربعون راكباً ونصف» (1967)، و«لاهو كما هو، ولاشيء مكانه» التي نشرها في تونس عام 1976، وكذلك مجموعة «أبانا الذي في الأرض» (1983).
في الجبهة كتب فارس زرزور قصة «شجرة البطم» التي فازت بالجائزة الثانية لمجلة الجندي، وجاءت مكافأتها 100 ل.س بالكهرباء وبالماء إلى بيت أبويه، وفي احدى العقوبات التي ستؤخر ترفيعه كتب قصة «السجين»، ومن جنوب سورية إلى شمالها ستتقاذفه العقوبات، ملاحقاً بشبهة «اليسارية»، حتى يُسرح من الجيش أثناء الوحدة السورية – المصرية 1958 – 1961 وبعدما نقل مع من نقل من الضباط إلى القاهرة، والتقى فيها بنجيب محفوظ ويوسف ادريس وإحسان عبد القدوس.
نشر زرزور عام 1962 بحثاً تاريخياً بعنوان «معارك الحرية في سورية» رصد فيه تاريخ نضال الشعب العربي السوري من أجل حريته واستقلاله. ولم يبق اهتمامه بهذا الجانب من التاريخ محصوراً بالبحث والتقصي، بل امتد إلى الكتابة الروائية متجسداً في ثلاثيته التاريخية «حسن جبل» (1969) و«لن تسقط المدينة» (1969) و«كل ما يحترق يلتهب» (1986).
وقد قام المخرج السينمائي نبيل المالح بتحويل الجزء الأول من الثلاثية إلى سيناريو فيلم أخرجه بعنوان «الفهد» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق, ويحلل الكاتب في هذه الثلاثية جوانب مختلفة من أشكال وصور النضال ضد المستعمر الفرنسي، عبر مجموعة من الشخصيات، نساء ورجالاً، استطاعت أن تحمل لواء المقاومة بصلابة، في تصوير واقعي أخاذ.
توفي في دمشق عام 2003م ورحل بصمت مطبق, لم يبكه إلا شجر البطم, والمدينة التي لم ولن تسقط, وحسن جبل, وغيرهم من أبطال الحياة.
Yomn.abbas@gmail.com
يمن سليمان عباس
التاريخ: الجمعة 17-1-2020
الرقم: 17171