وفد «صحفيات لأجلك سوريّة» في ضيافة إيران..من طهران إلى قم وأصفهان.. اطلاع على مراكز إعلامية ولقاءات هامة وزيارات ثقافية
ثورة أون لاين:
تتردد كصدى دائم, كأنها نغمة فريدة، تلغي ماعداها من النغمات الاعتيادية، تحاك على شكل مجموعة من الأصوات المتفردة، تلتصق في روحك، تأبى الافلات، حتى زمن طويل، ليحل مكانها مكان أكثر فرادة..
بعض الرحلات التي عشناها يوماً، أثرت بنا على هذا النحو.. ولكن ماذا عن رحلة اليوم.. ؟
زيارة (26) إعلامية سورية إلى إيران، اختاروا الترحال تحت مسمى «صحفيات لأجلك سوريّة»
وفد.. تكوّن من الصحف المكتوبة، وكالة الأنباء السورية، التلفزيون والإذاعة.. غالبيتنا نزورها للمرة الأولى، عايشنا ثلاث مدن عن قرب في حياتنا.. طهران.. أصفهان.. قم.
ثلاث مدن.. شعرنا أنها استدعتنا إليها، لنخرج منها محملين بزاد معرفي وسياحي.. ستتعتق صورها ومعانيها، وتختمر في ذاكرتنا طويلاً..
انطلقنا من مطار دمشق الثامنة مساء، ووصلنا الى مطار الإمام الخميني في طهران، قبل الثانية عشرة بتوقيتهم، فالساعة والنصف التي يسبقوننا بها.. جعلتنا نقفز زمنيا، ولن نسترجعها قبل عودتنا بعد اسبوع..!
لقاءات إعلامية
سرعان ما انطلقت الحافلة البيضاء الكبيرة، التي امتلأت بإعلاميات بدا من نقاشاتهن مدى توقهن إلى معرفة اعلامية تعمق تجربتهن، أولى لقاءاتنا كانت في وكالة الأنباء الفارسية (ايرنا) حيث تعرفنا عن قرب على أقسامها وطريقة عملها..
انتقلنا بين صحيفة كيهان التي تصدر بلغات ثلاث: العربية والفارسية والانكليزية، ومن ثم إلى صحيفة الوفاق التي تصدر بالعربية وتتبع مجمع إيران الإعلامي المتعدد الإصدارات..
من الإعلام المكتوب إلى المرئي كان لنا جولات مهمة في قناتي العالم والكوثر..
لقاءاتنا الإعلامية والثقافية ونقاشاتنا الغنية خلالها مع رؤساء تحرير كل من صحيفتي الوفاق (مصيب النعيمي) وصحيفة كيهان (حسن شريعتمداري) ومدير عام وكالة (ايرنا) د.سيد ضياء هاشمي.. جميعها لقاءات حفلت بنقاشات اعلامية وفكرية غنية، ركزت على أهمية الإعلام في الحروب العصرية، خاصة بعد أن غزا الانترنت مختلف عوالمنا، واخترق خصوصيتنا..
زيارة البرلمان الإيراني التي صادفت في يوم ثلجي، كان لها معنى آخر، فلقاء المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أميرعبد اللهيان، حفل بنقاشات مثيرة، أعطتنا وعيا وبعداً استراتيجياً، لكل ماعايشناه آنيا.. خرجنا من البرلمان محملين بزاد معرفي، يحمل أساسيات وابعاداً، يمكن الاتكاء عليها في تحليل وتركيب الكثير من الأحداث التي تومي الينا ببعد سطحي، فإذ بها لاهم لها سوى تخريب بلدنا، ووأد تعايشنا..!
أصبح واقعاً..!
الجمعة خلت من مختلف الزيارات الرسمية، انطلقنا منذ الصباح الباكر من العاصمة طهران، ودعنا شمسها المشرقة واتجهنا إلى شمالها، حيث تقع قصور الشاه، ما ان نزلنا من الحافلة الكبيرة، واقتربنا من البوابة الحديدية الضخمة حتى بدأ الثلج بالهطول بكثافة، لم نشعر بالبرد، وانتشرنا نلتقط الصور في الحديقة ذات المناظر الخلابة..
حين سارعنا لصعود تلك الدرجات الطويلة، وصولاً الى قصر نيافاران الذي يقع على مساحة 11 هكتاراً, استقبلتنا مساحات واسعة خصصت لغرف الضيوف، وموائد الطعام، وحين صعدنا الى الطابق العلوي انتقلنا الى منحى آخر من القصر، حيث تموضعت غرف نوم عائلة محمد رضا بهلوي..
في كل جنبات القصر نلمح الترف الذي كان يعيش به الشاه، حيث التحف واللوحات الغالية الثمن، اضافة الى مكتبة تضم 23 ألف كتاب باللغة الفرنسية والفارسية واللاتينية، و350 لوحة فنية.. نتابع جولتنا في القصور مرورا بقصر (جهان نما) الذي يحتوي على تحف ولوحات نادرة.. ولم يكن من الممكن ان نغادر دون أن نرى متحف السيارات لنقف وجها لوجه أمام حقبة تاريخية سمعنا عنها وها نحن نعايشها عن قرب..!
ومابين قصور الشاه ومنزل الخميني الذي زرناه في منطقة خمين، وحدها المقارنة بين البساطة والتواضع.. تحضر وتستوطن أذهاننا، خاصة ونحن نتجول في حسينية جمران.. التي تحكي عن تاريخ ثورة إيران بعيدا عن كل هذا التشويه المتعمد، الذي يصر اعلام يغيب صوته الحقيقي لإنتاج وعي زائف، لايخدم وجودنا في منطقة، مهددة من استعمار خبيث بدل لبوسه، وغير أدواته..!
صنع محلي..!
اعتدنا أن يكون الثلج رفيق جولاتنا السياحية، وهاهو يعوق تفتحنا الى مدى أردناه أبعد من الفرجة على المناظر من خلف الزجاج، ربما نحن على ارتفاع أكثر من ثلاثمئة متر.. حاولنا أن نسترق نظرات خارجية سرعان ماكنا نهرب الى داخل برج ميلاد محاولين التركيز على داخله، فالثلج يعاندنا في مختلف جولاتنا السياحية الخارجية، ونحن نرفض الانصياع له ونتحايل عليه..!
البرج الذي يقع في طهران يبلغ ارتفاعه 435 مترا، اكثر مايلفت النظر إليه بعيدا عن الجانب المعماري الفريد, المتحف الذي يضم مشاهير إيران، وقبة السماء التي تقع في الطابق الاخير حيث يمتزج اللون الازرق مع الرموز والاساطير الإيرانية لتحكي المفاهيم الاساسية للحياة من الموت والحياة والحب والعدل والسلام.
القهوة الأصيلة..!
على جانبي الطريق المشجر، نرى قنوات لتصريف مياه الأمطار تستثمر كل قطرة ماء تهديهم اياها السماء، وقت قليل يفصل بين طهران ومنزل سفيرنا في طهران الدكتور (عدنان محمود) استقبلنا مع زوجته بابتسامتهما المرحبة..
القهوة العربية التي اشتاقت لها الإعلاميات سرعان ماحضرت، لتمتزج نكهتها اللذيذة مع حديث سفيرنا الذي اكد على مدى ترابط العلاقات بين البلدين، وأهمية ان نوظف زيارتنا للاستفادة المعرفية والعلمية، من بلد ارتقى الى اعلى درجات البحث العلمي..
مضى الوقت حميمياً.. لنفاجأ بكاسات المتة، توزع على الحاضرات ولتمزج بزهور منوعة.. ومابين دفء الحوار ومذاق المتة الشهي.. انتهى اللقاء..
وقت اقتطعناه ونحن في طهران.. لتثبت جميع الزميلات ان بلدنا أينما ارتحلنا حاضرة في أرواح ستعشقها ماحييت..!
زرنا نصف العالم..!
انطلقنا من طهران حوالي العاشرة والنصف ليلاً، وصلنا الى أصفهان الواقعة جنوبها, بعد منتصف الليل بقليل، بعد ان قطعنا (340) كم، مباشرة ارتمينا على أسرتنا في فندق خاجو..
لم أستيقظ الا عندما سمعت انغام الرحابنة تصدح بها فيروز، والتي اعتادت صديقتي الجميلة «هوازن مخلوف» ان تضعها كل صباح.. ولكن هذا الصباح غير اعتيادي، فنحن سنعيش يوماً كاملاً في مدينة أصفهان، الشهيرة.. او نصف العالم!
كالعادة بعد افطارنا الصباحي انطلقنا الى البولمان الصغير، يجوب بنا شوارع أصفهان التي اختارتها اليونسكو لتكون مدينة تراث إنساني، نظرا لاحتوائها على الكم الهائل من التراث والأسواق التراثية.
لم تكن مناظرها تغيب عن اعيننا فحتى في عز اندماجنا ونقاشاتنا سرعان ماكنا نعود الى نقاش حماسي، كل منا تبدي رأيها بجمال المدينة وحسن الضيافة والاستقبال..
في اصفهان على العكس من طهران.. لاتستغرق رحلاتنا وقتاً طويلاً.. ماهي الا دقائق وهانحن امام كنيسة (وانك) انتشرت الإعلاميات في أروقة الكنيسة، يتطلعن الى تاريخ أرمني، استقبلنا (برج الناقوس) على مدخل الكنيسة، استغرقنا التأمل ونحن نرى تلك القبة الكبيرة والجدران مرتفعة والأقواس العالية، وذهلنا بتلك الرسوم والنقوش المنوعة التي يحتضنها المصلى الرئيسي لهذه الكنيسة..
لم نتمكن من انتزاع انفسنا من امام شجرات الميلاد التي حملت زينتها بتباه من يعرف انه يتموضع في امان الصور الكثيرة التي التقطناها امام تلك الشجيرات وفي مختلف أرجاء الكنيسة ستبقى شاهدا طويلا على لحظات فريدة.. لاتتكرر..!
اكواريوم اصفهان
حين قال لنا المترجم أبو حسين، اننا متجهون نحو(أكواريوم أصفهان) لم نهتم كثيراً، اعتقدنا اننا سنشاهد بضع أسماك في حوض.. الا اننا ما ان وصلنا الى المكان الذي يقع في متنزه (نازوان او ناجوان) حتى فوجئنا بمبنى معماري مميز.
دخلنا الى داخل المبنى لننزلق عبر ممر منحن، سرعان ما انتشرنا في كل جنبات المكان محاولين التأمل بصمت آملين ان يومي لنا المكان المذهل بأحاسيس تجدد أرواحنا، وتعيد لها الاشراقة.
(34) حوضا حاولنا الاطلاع على جميعها، في الجانب الشفاف اطلعنا على مختلف الاحياء المائية المتموضعة برقة ضمن أول وأكبر نفق لأحواض الاسماك في إيران الذي تم بناؤه على عمق 7 امتار من الارض تبلغ مساحتها 4000 الف متر مربع..
في سوق القيصرية..
جولتنا الأخيرة كانت في سوق القيصرية في أصفهان، انتشرت الزميلات في أرجائه كل تبحث عن مقتنيات تذكرها بزيارتها الأثيرة، ولم يكن من الممكن ألا نشتري علب المن والسلوى التي تشتهر بها هذه المدينة.. مع حقائبها اليدوية.. واحجارها الكريمة.. وفضياتها الشهيرة.. ولكن جمال السوق ونقوشه الفريدة كانت تعوق جولتنا اذا كنا نقف لنتأملها لنشعر أننا أمام لوحات تحتفي باللون الفيروزي، في مشهدية لاتنسى..
غادرنا سريعا، كما قدمنا.. على أمل ان نتمكن في زيارات قادمة من الاحتفاء بما يليق بهذا السوق الفريد، الذي يحتاج مجرد التجوال فيه الى ساعات طويلة..!
الخطف خلفاً..!
الزيارة التي قامت بها «صحفيات لأجلك سوريّة» جاءت في إطار التنسيق والتعاون الإعلامي والثقافي بين إيران وسورية, بهدف تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام في كلا البلدين, تم اختياره وتنسيق رحلته في دمشق، اتحاد الصحفيين.. في سورية.
منذ اولى خطوات الرحلة التي تلمسناها خلال اجتماعنا على افطار دعت اليه السفارة الإيرانية، بحضور السيد محمد رضا حاجيان، التقينا بعدد كبير من الإعلاميات, بعضنا لم يلتق قبل اليوم.. ولكن بدا ان رحلتنا ستكون مختلفة بوجود هذا العدد الكبير من الإعلاميات المخضرمات..
مابين اللقاء الأول على الافطار الصباحي في دمشق، وما بين الغداء الاخير في مدينة «قم» عشنا العديد من الذكريات في رحلة العمر.. حين همت الطائرة بالإقلاع.. شعرنا أن شيئاً منا بقي هناك..!
انه مطار الإمام الخميني، الثامنة مساء، وطريق العودة لن يستغرق أكثر من ساعتين، فالمسافة بين دمشق وطهران، تتجاوز الألف واربعمئة كيلو متر بقليل..
كان التعب قد نال منا، في ليلتنا الأخيرة في إيران، انطلقنا التاسعة صباحا من اصفهان، متجهين الى قم، وبعدها الى المطار.. حيث شعرت زميلات الرحلة، أن حملة التسوق التي بدأت باكرا ولم يسعفنا الوقت لشراء كل مانريد، لن تكتمل الا في مطار طهران..
انطلقنا بعدها مسرعات لركوب الباص الذي يقلنا الى الطائرة التي سوف تحملنا مع ذكريات لاتنسى الى دمشق، بداية حين نظرنا من النافذة ورأينا أن زميلتنا الظريفة سلوى الصاري لم تصعد معنا، اعتقدنا أنها ستلحق بنا سريعا، و لكن هاهي الطائرة تشغل محركاتها وتستعد للطيران دون ان يكتمل عددنا البالغ (26)اعلامية..
دقائق والجميع يحاول أن يحث طاقم الطائرة على انتظار «سلوى» واعتقدنا للوهلة الاولى انهم لن يفعلوا.. بل واصرت الزميلات على النزول من الطائرة وانتظارها.. حينها اطلت برأسها ووجهها يعلوه الاصفرار.. وانطلقت الإعلاميات في موجة تصفيق حارة..! ربما هو ليس تصفيقاً فقط لقدوم الزميلة سلوى، بل لكل ماعشناه خلال هذه الرحلة التي لاتنسى.. لكل ماتعلمناه.. ما فهمناه.. ما اطلعنا عليه.. لكل الخبرات والتجارب التي سنصر على التعلم منها.. وتنفيذها علمياً..!
رحلة فريدة.. حملنا على اثرها.. ذكريات عن بلد.. سنبقى دائما نعترف أنهم لم يتركوا تفصيلاً الا واهتموا به..
انهم ورغم البرنامج المكثف، كانوا يصرون على اقتطاع بعض الوقت لزيارات سياحية لاتنسى..
أقلعت الطائرة.. أغمض البعض منا عيونه.. مع صعود الطائرة متجهة بنا الى دمشق.. أعتقد ان شيئا ما قد تغير لدى الكثير من الإعلاميات..
اصرار عفوي بدا واضحا من خلال لحظات الوداع والمحبة الطافحة التي انتشينا بها حتى دون وداع..
بالتأكيد محبة لن تبقى محدودة او شخصية سنراها متألقة في عملنا.. حيث لانصيغ تجربتنا الانسانية فحسب.. بل وتجربتنا الإعلامية.. التي حملت كل ماهو مميز وغني..!
طهران – سعاد زاهر