لم يعد ثمة شك في أن المخطط الغربي الصهيوني على بلدنا الغالي لن يقبل بالنصر الميداني على الإرهاب الذي صمّمه وضخّه من أربع جهات الأرض في سورية، وحين لم يتمكن حلف العدوان من إطالة زمن السيطرة الإرهابية على جزء كبير من الجغرافيا السورية، وانحصرت فلول مرتزقته في إدلب، وغرب حلب تولّى الحلف المذكور أمره بنفسه بأصالة لم تعد تقتنع بمنجزات أصحاب الوكالة.
وشاهد شعبنا كيف أدخلت أميركا قواتها، واستدعت أطلسييها، وأقامت القواعد العسكرية لها وللأطلسيين بدون أي احترام لمنطق السيادة المنصوص عليه في القانون الدولي، وبدون أي تشاور، أو تنسيق مع الدولة الشرعية، وكأن إرادة الغطرسة للقوة الغاشمة هي الشرعة الوحيدة في العلاقات الدولية.
وعليه فقد انتشرت القوات الأميركية تحت غطاء محاربة داعش لينتهي بها الحال عند تبنّي الانفصاليين مثل قسد حتى تأخذ منها ذريعة التقسيم للجغرافية، والديمغرافية السورية، وصولاً فيما بعد إلى التقاسم لتصبح البلد مسرحاً لمدّ النفوذ الصهيو أميركي، وكيانات تحت السيطرة بسبب من إضعاف الكيان المركزي لمصلحة الكانتونات الإثنية، والدينية. وحين اتضح للأميركيين أن القدرة السورية على الصمود، ومقاومة منهجية التدخل المباشر، ومحاولات الترويض لقبول الإدارة من الخارج ومن ثم تقرير المصير، شرعت أحابيل حلف العدوان تستخدم الضغط الاقتصادي، والعقوبات الاقتصادية حتى تلتقي حربها بالحصار الاقتصادي الذي يستخدم كامل وسائل منع الآخرين من التعامل مع الدولة الشرعية السورية، وفوق ذلك كله احتلّت أميركا آبار النفط السورية في الجزيرة وصولاً إلى دير الزور حتى تمنع الدولة من استثمار مواردها النفطية لتعزز فيها المستوى المعيشي للشعب الصامد، ولتتمكن من إعادة البناء، والإعمار بالجهود الوطنية، والخبرات.
ونلاحظ بصورة مستدامة كيف تكرّس أميركا قوى الضغط لديها لكي تفبرك «الكيماوي» المزعوم ليتحول إلى جريمة كيماوية تُلصق بالدولة العربية السورية وجيشها البطل حتى تُتّخذ قرارات جائرة في مجلس الأمن الدولي وعلى البند السابع لتكوّن أميركا وفق غطرستها ذريعة العدوان على بلدنا بالصواريخ كما حصل غير مرة منذ العام 2018. يضاف إلى ما تقوم به أميركا هنالك خطّان آخران للعدوان.
الخطّ الأول مساندة كيان العدوان الصهيوني في اعتداءاته على مناطق تمركز الجيش العربي السوري ولا سيما كلما تقدم لطرد الإرهابيين من مساحة معتبرة من الأرض المتمركزين فيها، وعلى الجانب الثاني تسعى أميركا لعدم توفير شبكة للتجارة الخارجية حتى لا تحصل جماهير الشعب على سدّ الحاجات الأساسية وما يتبع ذلك من تشجيع التعامل بغير الليرة السورية، والتلاعب بأسعار صرفها حتى تبدأ الأزمة المالية في بلدنا على غرار ما حدث في لبنان مع العلم أن كل ما يحدث في لبنان، والعراق يقع ضمن منظومة العدوان على سورية ومحور المقاومة وقد رأينا مؤخراً كيف تمّ اغتيال القائدين الكبيرين في محور المقاومة: قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس.
إذاً تقع بلدنا اليوم داخل أشرس حلقات الحصار، والعدوان، وانتهاك السيادة، ومؤامرات تقرير المصير من الخارج. ولو تتبّعنا ما الذي تفعله أميركا بالوقوف إلى جانب الانفصاليين، وكيف تدعم أردوغان بأغراضه السلطانية والسلجوقية، وكيف تحاول بسيطرتها على الثروة البترولية السورية أن تحدّد شكل الحل السياسي ولو على عكس ما تم التوافق عليه في قرار مجلس الأمن 2254.
وها هي اليوم عادت لتحرك الذين كانت قد شغّلتهم منذ بداية العدوان الإرهابي علينا عام 2011م مستغلّةً ما تسببت فيه من صعوبات اقتصادية لدى الدولة تلك التي كانت من وراء حصارها، وإصرارها على تجويع الشعب ظنّاً منها بأن الشعب عند مرحلة معينة من مرارة العيش سيرفع لها راية الرضوخ والقبول بإدارتها له من الخارج، وتقرير مصيره كذلك؛ وشعبنا الأبي – كما علمته تواريخ كفاحه ضد المستعمر الغاشم- يعرف جيداً كيف يمنع المتآمرين على قوت يومه من أن يستثمروا مخرجات حصارهم اللاإنساني، وخطط التلاعب بمصير الشعب الصامد الذي لم يفقد مبادراته الوطنية التي تعزّز البنية القوية في معارك دحر الإرهاب، وإجلاء القوات الأجنبية المحتلة عن الأرض السورية الطاهرة. ورغم ثقتنا بإرادة شعبنا الوطنية، وتمسّكه بسيادته على أرضه وقيم استقلاله، ووعيه بأن أميركا والأطلسيين إن لم يحقق وجودهم غير الشرعي على أرضنا التأمين الكامل للمشروع الصهيوني التهويدي على أرض فلسطين فقد لا يخرجون من بلادنا، وهذا يُرتّب علينا أن نُمسك بالمعادلات الوطنية للعمل الداخلي بصورة نوحّد فيها جهودنا المخلصة في خدمة بلدنا بفرض انتصاره على الإرهاب، وانتزاع حقوقه السيادية وخاصّة حقّه في تقرير مصيره بإرادته الوطنية لا بإرادة الذين أداروا الحرب الإرهابية عليه من الخارج، وما زالوا يفبركون مسرحيات استخدام «الكيماوي» المزعوم لتكون لهم الفرصة بإدامة الحرب علينا، وعدم تمكيننا من إنجاز النصر. ومن الواضح اليوم أن السياسات الداخلية إن كان في المجال المالي ولا سيما بعد أن أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسومين الأخيرين 3 وَ 4 للعام الجاري حول من يتعامل بغير الليرة كوسيلة للمدفوعات، أو لأي نوع من التعامل التجاري، وما كان لهما من أثر سريع على تحسّن واقع الليرة السورية، وكذلك بقية شؤون الإدارة السورية المتعلّقة بمستوى معيشة الشعب حيث من المطلوب اليوم -وبالضرورة القصوى- أن تلاحق الدولة كافة الأحوال التي تخفف من معاناة الشعب فالنصر المعنوي الكبير الذي يعيشه شعبنا على الإرهاب من الواجب ألا تسمح الدولة بانتقاصه ببعض المنغّصات المتعلّقة بالحياة اليومية وسدّ الحاجات الأساسية، وإذا كان العمل السياسي على صعيد الشعب هو السبيل الوحيد لضمان الوحدة الوطنية وتعزيز جبهة الكفاح ضد الإرهاب فإن تفعيل هذا الدور السياسي لكي يتعاضد مع نمو الحركة الاجتماعية المناهضة لكافة أشكال الوجود الإمبريالي الأميركي الأطلسي على أرضنا يصبح اليوم من الأولويات اللازمة للدولة القانونية القادرة على فرض مناهج الإدارة العادلة لحياة الناس، وتخليصهم من المضاربين، والمتلاعبين، والمحتكرين حمايةً لاقتصاد الصمود، ووصولاً إلى دولة النصر على كافة الصعد.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 27-1-2020
الرقم: 17178