من دروس الآباء

 كانوا يقولون: تغرّب ففي الأسفار خمس فوائد، لعل أهمها أن تطلع على تجارب الأمم والشعوب وتأخذ منها الخبرة اللازمة، اليوم لم يعد الأمر يحتاج إلى سفر بعيد، فالفضاء الأزرق الواسع بما يقدمه من خلال المدونات الشخصية، أتاح لنا أن نقرأ ونطلع على الكثير من القصص والحكايات التي مر بها الكثيرون، ووجدوا متسعاً لسردها وتقديمها لتكون بمتناول الجميع.
صحيح أن القراءة ليست بمتعة السفر، ولا يمكن أن تقدم التجارب التي تروى من خلال المدونات بعمق التجربة والواقع، وقديماً قالوا: ليس من سمع كمن رأى، وغالباً لا نتعظ بتجارب الآخرين، بل ندفع ثمن التجارب من حيواتنا، مع أن الأمثلة التي تحضنا على أخذ العبر من الآخرين كثيرة، تبدأ بمقولة الحكيم: من اتعظ بتجربة غيره، ولا تنتهي: بمن جرّب المجرّب عقله مخرب، وربما نستذكر هنا: أن الحكمة كانت بجمل قديماً، واليوم لا جمل ولا حكمة، بل سرعة وطيش وتهور، لا ننتبه إلى أن الكثير من الدروب المزخرفة قد تنتهي بنا إلى حيث لا نتمنى، ومع ذلك نغامر ونمضي قدماً، ربما هو طيش الشباب، أو من أجل إثبات أننا قادرون على أمر ما.
بكل الأحوال، من مدونات الأزرق اللطيف قطفت أكثر من حكاية، ما أحوجنا إليها، وقد أعادتني إلى أيام الطفولة، حين سمعت بنهر الفرات لأول مرة، كان أبي رحمه الله يقول لنا: لا تسرفوا بالماء، ولو كنتم (على الفرا) أي على الفرات, حتى في فصل الشتاء، كان يتمنى علينا أن نستهلك حاجتنا من الماء، ويردد على مسامعنا قولاً شائعاً (الماء أعز مفقود…).
أمس قرأت ما كتبه أحدهم من تبرمه عندما كان شاباً, من نصائح أبيه، حين كان يرى مصباحاً يعمل من دون حاجة، أو صنبور ماء ينقط من دون أن يصلحه أصحابه، يقوم الأب بالبحث في البيت عما لا حاجة لإشغاله، ويطفئه، الشاب الذي يروي ذلك يقول: سمعت أن مسابقة ما ستجري لاختيار موظفين، فقررت أن أشترك بها لأرتاح من تتبع أبي، صباحاً هممت بالخروج فإذا بأبي يودعني ويقول لي: كن إيجابياً، مضيت إلى الشركة، فور دخولي رأيت قبضة باب تكاد تسقط،أصلحتها، قرب مدخل ما، ثمة مصباح يشتغل ولاحاجة له، أطفأته، وحين عبرت ممر الحديقة، رأيت هدراً بالماء، فعملت على معالجته عملاً بنصيحة أبي، وفي مكتب الانتظار المئات من الشباب، يدخلون ويخرجون، هممت بالانصراف، لكن أحدهم ناداني: تفضّل، دخلت ليقول لي المدير: متى تبدأ العمل؟
أبدأ العمل؟ نعم العمل، ترددت قليلاً، وأجبت حين أجتاز الامتحان بنجاح، رد المدير: لقد نجحت، كنا نراقبك، نتابع سلوكك، ويضيف الشاب: عدت لأقبّل رأس أبي، لكنه كان قد ارتفع إلى السماء.
تجربة خاضها شاب يعترف أنه كان يتبرّم من كل ما يقوم به والده، ولم يكتشف أن الحرص على كل شيء هو ثروة لنا جميعاً، الحرص وليس البخل، فماء الفرات إذا ما أهدر ينفد، ومال قارون كذلك، فما بال الذين لايرون كيف يهدرون بضعة آلاف نتقاضاها، يهدرونها بترك الحبل على الغارب لفوضى التجار، لفوضى السوق، كل إهمال هو هدر لنا، وتضحية بمقدراتنا على بساطتها.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 31-1-2020
الرقم: 17182

آخر الأخبار
قياس أثر المعارض في اجتماع مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق جهود مكثفة لإعادة تأهيل الكهرباء في إدلب.. صيانة الشبكات وتغذية المدن والقرى بعد إلغاء السابقة.. النيابة الفرنسية تطلب إصدار مذكرة توقيف جديدة ضد المخلوع بشار الأسد بين الضجيج الإعلاني وتصريف المنتج.. المستهلك الحلقة الأضعف في بازارات التسوق "البسطات" في حلب.. شريان الحياة وتحدّي البقاء مترو دمشق ينتظر الترجمة الفعلية لتنفيذه حلم العاصمة منذ 43 عاماً.. ماذا لو تحقق؟ "نيويورك تايمز": حرب إسرائيل على غزة ظالمة واستمرارها إزهاق لأرواح جديدة القصيدة والقصة وسردية نون النسوة.. في ملتقى الكتّاب السوري اتفاق تجاري ينهي المواجهة بين الولايات المتحدة وأوروبا مطالب بمراعاة الظروف في التصحيح.. اختزال أسئلة الرياضيات يُربك طلاب الثانوية في حلب "تربية اللاذقية" تُنجز إدخال درجات مواد شهادة التعليم الأساسي والشرعي حلب بين العطش والاستغلال.. أزمة مياه تعيد الصهاريج مفوضية اللاجئين: زيادة ملحوظة في عودة السوريين من الأردن الجغرافيا.. مادة جافة ترهق الذاكرة وتثقل كاهل طلاب الأدبي غرفة صناعة حلب تُنهي تسجيل المشاركين في معرض "موتكس" التصديري للألبسة الجاهزة انتهاء أعمال تأهيل خطوط الصرف الصحي وتزفيت الطرق في حي صلاح الدين بحلب متأثراً بالأونصة العالمية.. تراجع نسبي بأسعار الذهب المحلي المواد الغذائية المستوردة تهديد للمحلي.. فهل من حلول!؟ الربط الإلكتروني مشوه.. وما نحتاجه فوترة حقيقية جرعة تحذير بعد الحرائق الأخيرة.. التغيّر المناخي بات واضحاً والعوز الغذائي أول المظاهر