ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: ثلاثة عشر عاماً قد لا تكون كافية لرسم ملامح التقاطعات، بخطوطها الرئيسية بين المسموح والممنوع، لكنها استطاعت أن تخطّ قوساً تطابق رغم تعرجاته مع صعود سياسي متواتر في دفاتر المقاومة واستحقاقات إعادة قراءتها من باب الحاجة، كما هي من زاوية التوثيق لذاكرة بدت قاصرة في بعض جزئياتها، وصادمة في سرعة تناسيها.
ورغم أن الحسابات في بعض نماذجها جاءت مناكفة للتوجهات العامة، وحاولت أن تضفي لوناً باهتاً، وغير مقنع في تموضعاته المرحلية، فإن ما تمّ تسويقه كان يريد أن يبنى على فرضية الانكفاء المؤقت لتفسير التداعيات التي أظهرت نوعاً من المعاكسة الحقيقية في مناخها على أنها تراجع ممنهج في الحضور كمحاولة للغمز من قناة المقاومة.
ربما كان من الصعب في ذلك الحين الجزم بأن خط المقاومة- كمفهوم ومصطلح- يمكن له أن يختصر هذا الصراع بذلك التكثيف المتواتر، ومن دون توقف، بل ثمة من اجتهد في قراءته المتسرعة حين تساءل عن دورها في مواجهة الحلقات الأولى من مشروع الاستهداف، أو استفسر عن تموضعها الجديد في موسم القفر الأخير.
بالتجربة كانت المقاومة تخوض معاركها المعلنة والخفية بصمت، وإن علت في بعض الأحيان تعرجات أو ظهرت التواءات بحكم القصف المركّز سياسياً ونفسياً، مع تأجيج متعمّد للمعارك المفتعلة على هوامشها، وتزامنت مع عمليات التحطيم الممنهج للفكر المقاوم في الوجدان الشعبي، عبر لغط سياسي وإعلامي ولصوصية واضحة في السطو على مفرداتها ومصطلحاتها، حيث بدت الحملة مكثفة ومحكمة في بواباتها المفتوحة على عصر جليدي لا يكتفي بمحاولة اكتساح الوجود وجذر المقاومة، بل العمل على مدّ بدائي يسترجع ذاكرة العهود الظلامية في تاريخ الأمة.
وأطلت معه بالتوازي رؤوس استعمارية تستطلع عهد أطماعها البائدة، وتحاول أن تسترجع مجد استباحتها للمنطقة.. شعوباً ودولاً تحت شعارات خاطفة ومتلونة وخادعة، وحضرت معها أذناب كانت على مدى السنوات التي خلت تتمسح بأقدام المقاومة، وتحاول أن تبني تقاطعاتها السياسية على بيدر إنجازاتها، ووصلت إلى حدّ المزايدة في طرح الشراكة السياسية معها!!
في لحظة الافتراق الجوهري التي اقتضتها ترتيبات السيد الإسرائيلي ومن خلفه الآمر الأميركي، كانت معالم التموضع تشير إلى محاولات تشييد جدران لتقطيع أوصال المقاومة بخطوطها ومحاورها، وكانت سورية بيت القصيد، عبر حبكة من الخطوات التمهيدية التي استعارت سقوفاً ليست لها، وتماهت مع شعارات لا تعترف أبجدياتها السياسية بحرف من معطياتها ولا من نصوصها.
وكشفت الإرهاصات الأولى عن وجه لا يترك مجالاً للالتباس في الغاية التي اصطنعت الأعراب من أجلها ربيعاً دموياً اكتسح معالم الأمة, وكان مقدمة لموجة الطوفان التي تريد اقتلاع المقاومة بكل تسمياتها ومحاورها ونماذج وجودها.. العسكري والسياسي والنفسي والمعنوي، وصولاً إلى تحطيم ما تبقى من مكوناتها، وتحويلها إلى جزر معزولة، تتلف بالحصار أو تنتهي بالتقادم.
وجاءت الترتيبات متطابقة مع مسار الخطوات المسبقة التي اعتمدت على تسمين أدوار، ودبّ الحياة في أوصال هياكل سياسية متهالكة ومتموتة منذ عقود، ورسمت معها خطوط التماهي المطلوبة لتكون جامعة حمد الجسر الذي تعبر من خلاله لتحييد سورية، وصولاً إلى المقاومة كهدف نهائي لتلك الأدوات، لا تختلف عليه مع الإسرائيلي، ولا تجادل فيه مع الأميركي.
في ذكرى المقاومة والتحرير تقف الشواهد على أدلة وقرائن تبدو مغايرة في توجهها ومحاكاتها لكل ما أفتى به الصقيع العربي من محرمات، ولكل ما أجازه من محظورات، حيث تتهيأ لإسدال الستار نهائياً على جولة من الصراع التي تقاسمت الأدوار فيها مناصفة.. جامعة فقدت وجودها ومعناها وتبحث لاهثة عن دور يستحيل تحصيله، ودول تناكف من خارج الهامش على حجز مقاعد وهمية بعد أن تجاوزها الطريق نحو مشهد عالمي جديد بدا أكثر وضوحاً في رغبته بالتخلص من محطات العفن العربي والجوار الإقليمي بنسخته العثمانية المهترئة التي يلفظها على قارعة الطريق، وهي عارية حتى من ورقة التوت.
وفي عيدها تستعيد المقاومة وهج حضورها وقد اتسعت دائرتها وتفتح أدراج عودتها إلى الساحة وتتبوأ واجهة المشهد، وجدير بمنظومة المقاومة ومحاورها الأساسية وتفرعاتها الجانبية أن تستحضر دفاترها المؤجلة وقد آن موسم استحقاقها الفعلي، وباتت تفرض أجنداتها باقتدار على جدول التداول الدولي من منظور الانقلاب الكلي في الحسابات وتعديل جوهري على المعادلة القائمة وقواعد الاشتباك فيها من البوابة السورية.
المسألة ليست من باب الاستنتاج، لكنها محاولة لفرد صفحات كتبتها المقاومة في حينها، وأجلت المحاججة فيها لعقد ونيف من الزمن، وكانت منذ تلك اللحظة تؤكد أن ما صنعته إرادة المقاومة هو الذي سيبقى، وأن روح العصر لا يمكن لها أن تستمر إلا بهواء يأتيها من سواعد المقاومين، وأن ريح الغرب مهما علت وازدادت لا بد أن تبدأ رحلة الانكفاء.. ليبقى الشرق بحتمية بقائه ورسوخه وعلى قوى الشر أن تستدير خارجه.
a.ka667@yahoo.com