أدونيس في سيرته الشعرية الثقافية: في دمشق ترى الغيم يسبح على سجادة من خيوط الشمس

 لاينفك الشاعر أدونيس يعمل على خلخلة كل ما هو ثابت في العقل والذاكرة،والمشهد الثقافي والادبي، ولنقل الإبداعي، لأن الإبداع عنده دائما يعني التجاوز والقدرة على الخلق, لا إعادة انتاج ما كان موجوداً حتى نصل به إلى مرحلة الإنتاج لعشرات المرات، وكأنه مواد تالفة يعاد إحياؤها..
يخلخل اللغة التي فرطت من كثرة الاستخدام، ولابد من إعادة شحنها بطاقات خلاقة كبيرة, يمضي في البحث عن غير المألوف،يشتق دروباً تهيبها الكثيرون قبله، لكنه كان الرائد الذي عقد العزم على أن يحفر فيها مجرى عميقاً، قد لايستطيع الكثيرون عبوره، بل لايريد لأحد أن يعبرها, لان لكل مبدع دربه ورؤاه، ويجب ألا يكون الجميع كرؤوس البصل في حقل كبير..
في كتابه المهم والجديد الصادر بدمشق عن دار التكوين التي تتولى إعادة إصدار أعماله النقدية، ويشرف عليها الشاعر سامي أحمد مدير الدار وصاحبها, كتابه الذي حمل عنوان: ها أنت أيها الوقت، لايستحم أدونيس بماء النهر مرتين،ولايعبر الزمن مرات ومرات, إنما نحن من يفعل وبفضل ما التقطه وقدمه لنا ضمن ما أسماها (سيرة شعرية ثقافية) فالحياة التي عبرها أدونيس لحد الآن هي الفعل المبدع, لم يغص بتفاصيل اليومي المعاش, بل اراد لنا أن نقف عند حقول الفعل الشعري, والثقافي والفكري, عبر زمن يمتد لاكثر من ستة عقود من الزمن.
من جامعة دمشق التي تخرج منها، إلى لبنان حيث كانت مجلة شعر, ومحطات التحول الكبيرة,ليس في تجربة أدونيس الشعرية وحدها، إنما على المستوى العربي بشكل عام.
عن الشعراء
في الصفحة 17 يقدم أدونيس آراءه حول الكثير من أعلام الشعر العربي, لاسيما بعد اختتام دراسته الجامعية عام 1954, يقول: كان نزار قباني يملأ دمشق، وكان يرج ماءها بينبوع سلسله فيها ومن تاريخها, وقبل كل شيء من الحياة اليومية في أقرب تفاصيلها إلى الأشياء الإنسان، كان يعلم هذه الحياة كيف تتحول هي نفسها إلى قصيدة.
وعن بدوي الجبل: كان بدوي الجبل الصدر الذي يحتضن جسد الشعر العربي ويعيد تكوينه في اللغة.. بهاء.. أنيقا مترفا.. بهيا, عرفت بدوي الجبل في شعره كيف تكون الذاكرة ذِكرا، وكيف تتداخل فيها أصوات الشعراء القدامى وتتآلف قريبة بعيدة، في صوت واحد وعرفت فيه كيف يصير الماضي حاضراً, دون أن يلبس الثاني ثوب الأول, ودون أن يدير الأول ظهره للثاني
وعرفت كيف يكون الشعر سلكا ينتظم فيه العقل والقلب، الغضب والحب، المرارة والطمأنينة, كان بدوي الجبل جبلاً، لكنه كان في الوقت نفسه موجاً.
كانت دمشق ملتقى تطلعات متناقضة ومتنوعة كانت مناخاً غريباً تستطيع فيه أن ترى الغيم يسبح على سجادة من خيوط الشمس وأن تسمع الرعد ينبجس من فضاء ليس له أي اثر لأي غيمة.
على شفا المكان
والجامعة التي تخرج فيها، كانت تحفر الهوة بينه وبين الواقع كما يقول: بدأت أرى الحاضر امتداداً لهذا الماضي الذي تقدمه الجامعة,أخذ ينمو في نفسي الشعور بأنني أعيش على شفا المكان، أتارجح وأكاد اهوي, وفي هذا الإطار بدأت أتنبه إلى أنه لايكفي خاصة في الشعر أن يرج الكلام الجسد لكي يستيقظ ويتجدد, بل ينبغي أيضا ان يرج الجسد ُ الكلام َ لكي يستيقظ هو ايضا, ويتجدد، وبدأت ألاحظ أن اللغة كالانسان، لها كذلك فواجعها،أن الفاجعة الكبرى التي تنزل بها هي الكتاب الذي يولد جثة، لايكون إلا كومة من الكلمات ويخيل إلي أحيانا أنني أصرخ في أروقة الجامعة: ما أكثر الكتب – الخرائب.
يمضي أدونيس عبر 156 صفحة من القطع الكبير مخلخلاً كل يقينات الثبات الفكري واللغوي, عبر سيرته الشعرية الثقافية التي تشابكت وتواشجت مع سير الكتاب والشعراء العرب والعالميين,وكانت النتاج إبداعاً متميزاً, من مجلة شعر، إلى بدر شاكر السياب، إلى يوسف الخال, إلى اليوم وما تجره التقنيات الحديثة علينا، فصول من سيرة سوري عالمي، تحتاج كل صفحة فيها – السيرة – إلى مقال, ها أنت أيها الوقت، عنوان ينبثق من مطر الأرض وخصب اللغة ومائها، لا من سماء اعتدنا أن تمطر، من حيث لا ندري جاء الثراء الذي ضج به العنوان.
Yomn.abbas@gmail.com

يمن سليمان عباس
التاريخ: الاثنين 9-3-2020
الرقم: 17212

آخر الأخبار
الدفاع التركية تعلن القضاء على 18 مقاتلاً شمالي العراق وسوريا مخلفات النظام البائد تحصد المزيد من الأرواح متضررون من الألغام لـ"الثورة": تتواجد في مناطق كثيرة وال... تحمي حقوق المستثمرين وتخلق بيئة استثماريّة جاذبة.. دور الحوكمة في تحوّلنا إلى اقتصاد السّوق التّنافس... Arab News: تركيا تقلّص وجودها في شمالي سوريا Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية  الشرع يترأس الاجتماع الأول للحكومة.. جولة أفق للأولويات والخطط المستقبلية