ناصر منذر
العدد الإجمالي للإصابات بفيروس كورونا حول العالم تجاوز حاجز المليون، وأكثر من نصف هذا العدد سجل في أوروبا، وربعه في الولايات المتحدة، فيما ارتفعت الوفيات لنحو 51 ألف حالة حسب آخر الاحصائيات، لكن تلك الأرقام المخيفة والمرشحة إلى الازدياد اليومي في ظل تسارع وتيرة انتشار الوباء لم تثن مدعي حقوق الإنسان الغربيين والمتباكين على الوضع الإنساني عن الاستمرار في الكذب والنفاق، والمتاجرة بحياة الشعوب لتحقيق غايات وأهداف دنيئة، وإنما زادتهم إصرارا على إفشال أي مبادرة أو جهد دولي يرمي للتصدي لهذا الوباء، أو مساعدة الدول المتضررة، ما يعزز القناعة بأن كورونا صناعة أميركية بتواطؤ غربي لتنفيذ أجندات سياسية رخيصة، حتى وإن كان ضحايا الفيروس نصفهم من الأميركيين والأوروبيين فهذا لا يهم، لأن قيمة الإنسان في مفهوم الغرب الاستعماري تساوي صفراً أمام أطماعه الاستعمارية.
البلطجة الغربية تظهر بشكل واضح اليوم في التمترس خلف سيف العقوبات لنحر حقوق الإنسان، وبدل أن تستغل الولايات المتحدة وبريطانيا المرتمية في أحضان البيت الأبيض بعد بريكست، ومعها دول الاتحاد الاوروبي – حالة التضامن الدولي لمواجهة كورونا- لتلميع صورتها الإنسانية القبيحة والتكفير عن خطاياها، عارضت تلك الدول مشروع قرار روسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بالتخلي عن الإجراءات الاقتصادية القسرية بحق الدول المتضررة من فيروس كورونا، ولم تكترث لدعوات الأمم المتحدة والكثير من دول العالم بهذا الصدد، وهذا الأمر يحملها مسؤولية التبعات الكارثية على الصعيد العالمي والتي ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، لن يغفرها التاريخ، وستبقى لعنة تلاحق تلك الدول.
الغرب الاستعماري، وهو من أبرز الأطراف الداعمة للإرهاب يراكم أكاذيبه تجاه الوضع الإنساني اليوم بعد أن استنفدها في سورية سابقا، ولا يزال يركب موجتها بالتزامن مع أي انتصار جديد للجيش العربي السوري، حيث الورقة الإنسانية المبنية على تزوير الحقائق لطالما استخدمتها أميركا وأتباعها الغربيين لحماية الإرهابيين، وحرف الانظار عما يرتكبونه من جرائم بحق السوريين، وجائحة كورونا وانشغال العالم بكيفية التصدي لها لم تشكل أي رادع إنساني لتلك الدول للكف عن مواصلة دعم الإرهاب، فالمحتل الأميركي يواصل سرقة النفط في الجزيرة السورية، ويمتنع عن إطلاق سراح آلاف المحتجزين المدنيين في مخيم الركبان، وأدواته في الغرب توغل بإرهابها الاقتصادي كموروث أميركي ترفض الانعتاق منه، وأجيره التركي يفوق العدو الصهيوني بعربدته، ومرتزقته على الأرض يمعنون بجرائمهم في ريفي الحسكة وادلب، وكل ذلك يختزل السياسة الأميركية ومخططها العدواني إزاء كل الدول الرافضة لهيمنة القطب الواحد، والمتمسكة بنهجها المقاوم وقرارها السيادي الحر.
أميركا لا تحتاج لمن يذكرها بتاريخها الأسود لأنها تقتات على حياة الشعوب، ولكن المفارقة الهزلية في زمن كورونا ذلك الانصياع الغربي الأعمى لكل أمر يصدر عن البيت الابيض رغم أن الدول الأوروبية لم تخرج يوما عن دائرة الاستهداف الأميركي، وهي في طريقها نحو الانهيار والتفكك بفعل سياسة التحريض الأميركي، وواشنطن لم تستثنها من حربها التجارية رغم وصفها بالحليف، حتى أنها تسارع لقرصنة الكمامات والمعدات الطبية الخاصة بمواجهة كورونا قبل أن تصل إلى الدول المتعاقدة على شرائها من الصين وفرنسا إنموذجا، وتحاول سرقة أي لقاح محتمل تنتجه الشركات الأوروبية وألمانيا نموذج آخر، وتمتنع عن مساعدة الدول الأكثر تضررا وإيطاليا وإسبانيا نموذج ثالث، قد يكون كل ذلك بسبب حالة العجز الأميركي لمواجهة الفيروس، إلا أن الدول الأوروبية يجب تتعلم من الدروس الصينية والروسية وحتى الإيرانية من مسارعتها لتقديم يد العون والمساعدة رغم أنها مستهدفة بالعقوبات الأميركية والغربية، لأن من يحترم حقوق الإنسان هو صاحب تاريخ وحضارة، ومن يدور في الفلك الأميركي سيبقى مجرما بحق الإنسانية والتاريخ.

التالي