ثورة أون لاين – عمار النعمة:
محمد الماغوط ليس اسما جديداً أو عابراً في المشهد الثقافي السوري, بل هو أحد أعمدته الذين شكّلو لوّنه وجماله … هو الروائي والشاعر والمسرحي صاحب التجربة الأدبية الثرية والمميزة التي تركت خصوصيتها على المشهد الثقافي بشكل عام .
في كل مرة كان يكتب, كان يدب الماء ليحرك الجماد, ويجعل للقصيدة أو النص أصابع وأوتار وتناغم موسيقي جميل … استطاع الماغوط أن يقدم وجبة ثقافية استوطنت وجداننا ولغتنا, فشعره وكتاباته المسرحية اتحدا ليخلقان لنا فضاء أدبي ابتسم بروح التجربة التي يمكن القول عنها بأن (الثقافة وحدة متكاملة يؤدي بعضها إلى بعض, والأداب تتفاعل مع ميادين الحياة الأخرى) .
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الأديب السوري محمد الماغوط، حيث سنوات النشأة الأولى مع بداية الثلاثينيات في أعماق الريف السوري بين البسطاء والفلاحين، وعلى الرغم من أن طفولته لم تكون سعيدة لكنها أشعلت بداخله الحس المتمرد على الأوضاع، فبدأ بالتجديد الروحي عندما انطلق من بيئته دون خدش مبادئها, لينطلق إلى فضاءات أوسع وأوسع حتى نهاية حياته .
لاشك أن تسميته بالأديب المتمرد لم تأت من فراغ, فذلك لاحظناه وقرأناه عبر سنين طويلة في معظم ماقدمه من إنتاج … عندما سافر إلى لبنان تعرف الماغوط على الكثير من الشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، فالتقى مثلاً بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب، ونشأت بينهما صداقة قوية، صدر له أول ديوان شعري عام 1959 عن دار مجلة شعر، وكان عنوانه “حزن في ضوء القمر”، ليصدر في العام التالي ديوانه الثاني “غرفة بملايين الجدران”.
في ستينيات القرن الماضي، أقبل الماغوط على العمل الصحفي، فنشر عدد مقالات ساخرة في مجلة البناء، وأصدر مسرحية “المهرج” عام 1960. وعيّن الماغوط رئيس تحرير مجلة الشرطة، وكتب فيها مقالات ساخرة دوريًا.
ألف عددًا من المسرحيات الساخرة أهمها: ضيعة تشرين، وغربة, وكاسك يا وطن. واستمر الماغوط بالعمل الصحفي خلال عقد السبعينيات، فكتب في صحيفة تشرين السورية وغيرها من الصحف.
كانت فترة الثمانينيات من القرن الماضي صعبة وموجعة على حياة الماغوط؛ إذ فجع بوفاة أخته ووالده وزوجته خلال مدة قصيرة بين عامي 1984 و1985، وبعدها بثلاثة أعوام توفيت والدته أيضًا, كان لوفاة زوجته أثر بالغ عليه، وحزن عليها حزنًا كبيراً، ولم يتزوج مجددًا بعد وفاتها.
بعد ذلك عاد الماغوط إلى التأليف، فكتب عدة سيناريوهات لأفلام سينمائية مهمة مثل التقرير، والحدود والمسافر، بالإضافة إلى بعض المسلسلات التلفزيونية أشهرها حكايا الليل, من جهة أخرى نشر الماغوط نصوصًا شعرية جديدة في مجلة الوسط التي تصدر في لندن.
أنجب الماغوط طفلتين: شام التي أصبحت طبيبة وتزوجت لتستقر أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وسلافة التي تزوجت وعاشت في دمشق .
نشر محمد الماغوط خلال سنوات حياته الأخيرة عددًا من الدواوين الشعرية أهمها: سيّاف الزهور2001، و”شرق عدن غرب الله” 2005 و”البدوي الأحمر” 2006.
حاز الماغوط على الكثير من الجوائز منها جائزة “سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر” عام 2005، و جائزة “سعيد عقل” الشعرية.
توفي الماغوط في دمشق عام 2006، بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركاً ورائه إرثاً شعرياً وأدبياً لن تنساه الأجيال القادمة .