ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
الإبداع لا تحده حدود أو حواجز أو حتى حجر صحي ، هذا ما أثبته الكثير من المبدعين والفنانين ، محترفين وهواة على حد سواء ، لا بل ربما الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا شكلت دافعاً لعملية خلق إبداعي موسيقي يرتقي ويسمو بالذائقة الجمعية ، ويبدو أن العبارة التي كثيراً ما كنا نرددها (الموسيقا غذاء الروح) باتت اليوم عيش حقيقي ولمسنا عمق معناها ونحن في البيوت ، فكانت الموسيقا الغذاء الذي يبث القوة والعزيمة والمُحفز والمُنعش للأمل .
عديدة هي الأمثلة الحاضرة أمامنا من خلال ما تم تقديمه في الفترة القريبة الماضية ، عبر مواقع التواصل الاجتماعي من معزوفات موسيقية وأغانٍ كانت تقدم عن بُعد بشكل جماعي فشكلت لوحات فسيفسائية بالغة الروعة ، احتاجت كل منها للكثير من الدقة والتناغم والعمل على أكثر من صعيد بروح واحدة وفق هارموني محدد للخروج بالنتيجة النهائية ، فمثل هذا الأمر يتطلب جهداً كبيراً من كل مشارك فيه ، فكل مغنِ أو عازف عليه أن يعزف عبر آلته دوره وفق سرعة وألية معينة مراعياً كيفية التصوير المنزلي وغالباً ما يكون التصوير عن طريق الهاتف الخليوي ، ومن ثم يتم تجميع هذه الفيديوهات من خلال عملية فنية دقيقة مع مراعاة تطابق الصوت مع الصورة مع الفيديوهات كلها لتُقدم ضمن إطار فيديو واحد يجمع فيما بينها كلها .. هي آلية دقيقة وكلما كبر عدد المشاركين فيها وتعددت الأصوات كلما ازدادت تعقيداً ، ولكنها ممتعة وتعطي في المحصلة نتيجة مُبهرة .
ومن أبرز ما تم تقديمه ضمن هذا الإطار عند بعد أغنية (حلوة يا بلدي) التي أنجزها بهذه الطريقة كورال الحجرة التابع للمعهد العالي للموسيقا ، وتم بث الأغنية عبر موقع المعهد وتناقلتها المواقع الأخرى وجاءت كلوحة فسيفسائية مؤلفة من المطربين وعازف البيانو فادي جبيلي لتشكل لوحة تقدم الأغنية بإتقان وروعة ، فكرة مشروع إنجاز هذه الأغنية للمايسترو ميساك باغبودريان . أما في معهد صلحي الوادي فقدمت اوركسترا الموسيقى العربية بقيادة الموسيقي مهدي المهدي مقطوعة “وقمح” للفنان زياد الرحباني افتراضياً ، وشارك فيها 38 طالباً تراوحت أعمارهم بين 10 و 16عاماً ، أما أوركسترا الجاز في المعهد بقيادة الموسيقي دلاما شهاب فقدمت حتى الآن مقطوعتين موسيقيتين هما مقطوعة (Rock around the Clock) وضمت العزف على آلات (ساكسفون ، كلارينيت ، ترومبيت ، ترومبون ، توبا ، بيانو ، إلكتريك غيتار ، بيس غيتار ، درامز) ومقطوعة (St.James Infirmary) وضمت العزف على آلات (ترومبيت ، كلارينيت ، غيتار ، ساكسفون ، ترومبون ، توبا ، بيانو ، يوكوليلي ، درامز) ، كما قدمت فرقة النفخيات في قسم الموسيقا ضمن مشروع (بكرا ألنا) بإشراف الموسيقي دلاما شهاب معزفة (arablan nights) من فيلم (aladdin) .
وبالإطار نفسه قدمت جوقة الفرح ترتيلة (المسيح قام) بمناسبة عيد الفصح المجيد ، وبتوزيع لأكثر من صوت لأفراد الجوقة الموجودين في أكثر من مكان ، وقام بتحضير الفيديوهات للجوقة سليم شلهوب ، أما النشيد الوطني للجمهورية العربية السورية فقدمه مجموعة من الفنانين مع شخصيات عامة ورياضيين وإعلاميين ، الإشراف لقناة بابلي تولز الفنية وإنتاج الأوديو نقابة الفنانين ، وهو كلمات خليل مردم بك ، ألحان الأخوين فليفل ، وقام بالتوزيع والتنفيذ الموسيقي سعد الحسيني ، ومن لبنان قدمت (عائلة نعمة) أغنية (رح نرجع) بأجواء دافئة وهي كلمات ليال نعمة وألحان جورج نعمة وتوزيع ألكساندر ميساكيان وإخراج منصور عون ، كما كان للموسيقي شربل روحانا تجربة هامة في (خطيرة) بمشاركة زاد خليفة (إيقاعات) ونديم روحانا(أكورديون) .
ولا بد من الإشارة إلى ان هذا الأمر لم يقتصر على سورية وإنما بدا وكأنه موجة عالمية هدفها الإنسان ، فهناك فنانون عالميون غنوا من منازلهم عبر الأنترنيت وجمعوا التبرعات لمكافحة فيروس كورونا ، كما يقوم المغني الأوبرالي الفرنسي ستيفان سنيشال بشكل متواتر بالغناء للناس والجوار بشكل حي ومباشر من نافذة منزله بالحجر الصحي في فرنسا ، وهو سبق له أن زار سورية في شهر تشرين أول الماضي وأقام حفلاً غنائياً أوبرالياً في دار الأسد للثقافة بدمشق .