من المؤكد أن كورونا الوباء، وضع حالة العولمة التي يفترض أنها حولت العالم إلى قرية صغيرة، في مأزق إلى حدود أنه يكاد يطلق عليها طلقة الرحمة.. لكنه من الخطأ والخطر ربط أزمة العولمة الراهنة الناجمة كلياً في الأزمة الرأسمالية.. و هي بالأصل العولمة على أساس السوق الرأسمالي..
ضحية وباء كورونا ..
دور الوباء على هذا الصعيد فقط أنه كشف عجز الرأسمالية، وتوحشها، و لا إنسانيتها .. ولاسيما أن الخوف منه جعل معاقل الرأسمالية تكشر عن أنيابها تجاه بعضها البعض، لكن التراجع عن العولمة و فكرة القرية الصغيرة كان بدأ قبل أن يبدأ الوباء باجتياح العالم، ومثلت سياسة الولايات المتحدة و إدارتها الحديثة، دون إلصاق التهمة بالرئيس ترامب كأن القضية هي مسؤولية ترامب وحسب..! وهي ليست مسؤوليته لوحده مثلما هي ليست مسؤولية وباء كورونا لوحده..!! مثلت .. إعلاناً صريحاً بالانسحاب من العولمة .
الرئيس ترامب عبَّر بوضوح أنه سينسحب بأشكال مختلفة من مسؤولية المجتمع الدولي المتبني لمؤسسات وقوانين واتفاقات دولية.. ولحرية التجارة العالمية.. لكن هل هذا موال شخصي لترامب.. أم هو إحدى تجليات أزمة الرأسمالية العالمية؟..
هي بالتأكيد ليست المرة الأولى التي تُظهِر فيها الرأسمالية العالمية عجزها عن مواجهة مشاكلها أولاً.. فكيف بها مواجهة مشاكل وقضايا البشرية..!!
الجديد في الانهيار الراهن.. ضخامته أو كبره ربما، وهو ما استطاع البشر الاطلاع عليه و المشاركة في تقدير خطورته بسبب الاتصالات، والذي زاد في الانتباه و التقدير.. ترافقه مع وباء كورونا.. يعني ترافقه مع التحدي المباشر لحياة الناس، و كان الوباء هو وسيلة الإيضاح الرئيسة لما يخفيه النظام الرأسمالي العالمي من مشاكل تتعلق به كنظام و كنهج.. ولم يكن أبداً سبب الأزمة الراهنة.. فهو بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
استطاع كورونا بجرأة أن يعبّر عن ارتجاج حالة العولمة الممهدة بالسقوط اليوم.. وهي ليست محاولة العولمة الأولى في التاريخ التي تعلن عجزها وإفلاسها إلى حد كبير.. لكنها تمتعت بعنصر قوة خاص و استثنائي هو الإعلام، إضافة لأساسها الذي تقوم عليه وهو الاقتصاد والسوق.
الإعلام هو الذي أصر على المطلق في حالة انتصار العولمة.. مما جعل أي سقوط لهذه العولمة سيحدث ارتجاجاً شديداً مريباً و مجسداً أمام الناس دون أي ساتر..
لم يكن العالم قرية صغيرة.. ولن تتوقف محاولة العولمة.. لكن الأساس الذي قامت عليه هذه العولمة فاسد.. و يبقى العالم قرى متعددة لكن بانفتاح وتواصل شديدين.. وستعود الدولة الوطنية والنمو على أساسها.. وهذا سيغير كثيراً في المفاهيم السياسية والاقتصادية في العالم.. سيبحث العالم عن ديمقراطية جديدة مناسبة.. وسيتراجع عن لا محدودية الاقتصاد الافتراضي.. وسيعاد للاقتصاد الإنتاجي بعض ألقه.. وربما بتراجع سحر النفط و السعير حوله و ما نجم عنه من حروب و استعمار بعد الانهيار الكلي الأخير في أسعاره..!!
As.abboud@gmail.com
معاً على الطريق- أسعد عبود