التداعيات الكارثية المترتبة على انتشار وباء كورونا وتصدره مشهد الأحداث الدولية تضع العالم اليوم أمام سيناريوهات مختلفة، تحددها سياسات الدول الكبرى وفقاً لتعاطيها مع التطورات الحاصلة ومدى استجابتها لدعوات التعاون الجماعي لمحاصرة الفيروس والقضاء عليه، أو الحد من انتشاره على أقل تقدير.
الاستثمار السياسي للوباء من أكبر المخاوف التي تهدد العالم، وقد توظف أميركا ودول الغرب الاستعماري التداعيات الاقتصادية للوباء لشن حروب واسعة بهدف الخروج من أزماتها، خاصة في ظل الانهيار غير المسبوق في أسعار النفط، وانكماش اقتصادات عشرات الدول والتوقعات بحدوث كساد اقتصادي أسوأ من الكساد العظيم بحسب الخبراء، وهذا الاحتمال تعززه السياسة الأميركية القائمة على البلطجة لفرض هيمنتها على الساحة العالمية، وثمة الكثير من البؤر الساخنة افتعلتها الولايات المتحدة ومن المرجح أن تكون ساحات لمثل تلك الحروب.
الجنوح نحو سيناريو إشعال الحروب يبدو غير مستبعد وفقاً للتعاطي الأميركي السلبي مع الأزمة وللنزعة العدوانية المستحكمة بإدارة ترامب، وحالة التبعية العمياء لتلك الإدارة، وهذا يظهر جلياً من خلال سياسة التصعيد الأميركي والغربي – عسكرياً وسياسياً واقتصادياً -ضد محور المقاومة في المنطقة وسورية وإيران مثال، كذلك الإصرار الأميركي على اتهام الصين بأنها المسبب لانتشار فيروس كورونا وتحميلها مسؤولية التبعات بلغة تهديد مبطنة تشير إلى سيناريو تصادمي قد يكون أسوأ من حرب واشنطن التجارية ضد بكين، ليأتي التوتر المتصاعد بين أميركا وحلفها الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى بفعل الاستفزازات الغربية، وانتهاكات الولايات المتحدة لاتفاقات الحد من التسلح وانسحابها منها ليضيف مخاوف أخرى تهدد الاستقرار الإستراتيجي العالمي.
تداعيات كورونا تؤثر أيضاً في مسار العلاقات الدولية، وأعمال القرصنة الأميركية فيما سمي حرب الكمامات وضعت الكثير من الدول على محك التشابك والتصادم السياسي، حتى إن الدول الأوروبية نفسها باتت أمام سيناريو التفكك بسبب تلاشي مسألة التضامن فيما بينها، وانكفاء كل دولة في مواجهة الجائحة الوبائية وحدها، ولكن في المقابل قد تكون الدروس المستقاة من المواجهة العشوائية للفيروس التاجي وما ترتب عليها من تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية فرصةً لتدارك الخطر الناجم عن هذا الوباء، وتشكل دافعاً قوياً لتوحيد الجهود الدولية لمحاصرته والقضاء عليه بعيداً عن التسييس وإلقاء اللوم على الآخرين لاعتبارات سياسية، وبالتالي المساهمة في بناء نظام دولي جديد يقوم على التضامن والثقة المتبادلة، واحترام سيادة الدول وحقها المشروع في حماية أمن وسلامة شعوبها، فالبشرية بأمس الحاجة اليوم لمثل هذا النظام الآمن، وهو سيناريو غير مستبعد أيضاً.
البقعة الساخنة- بقلم أمين التحرير: ناصر منذر