إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في زحمة الأخبار المُتداولة حول “كورونا”، الأرقامُ المُتحركة على 3 مُنسدلات: إصابات، وفاة، شفاء، تَذهب أغلبية الناس للتركيز على عدد الإصابات والوفيات، ولا تُعير حالات الشفاء المَزيد من الاهتمام، الأغلبيةُ ذاتها التي تَغرق بالمُعقمات وإجراءات الحماية، تَنقسم لعدة شرائح تتوزع على مُستويات مُختلفة بإثارتها للأسئلة الصعبة المُتعلقة بما يجري في العالم.
هل يَقف العالم فعلاً أمام فُرصة التحول للأفضل؟ أم إنه سيتحول للأسوأ؟ هل كان كورونا السبب؟ أم إنّ الصدمة التي وَلّدها في غير اتجاه ستُمثل قوة التغيير والتحول؟ هل يمكن الركون للفرضيات التي تتحدث عن حَتمية حدوث التّحولات الكبرى مع فداحة ما خلّفه الوباء، وفرضه على سياسات الدول وأولوياتها؟.
في الحقيقة، إضافة إلى هذه التساؤلات، هناك عشرات الأسئلة بل مئات وآلاف إشارات الاستفهام التي تَرتسم كل ساعة حول الكثير مما يحصل، واللافت في الأمر أن أميركا تكاد تكون القاسم المُشترك الأهم بين جميع التساؤلات المطروحة، ليس من مُنطلق أنها القوّة التي كانت دائماً هي من يَصنع الحدث، والخبر، وهي من يُمسك بالتفاصيل ويحرك الخيوط، وإنما من مُنطلق أن العالم بتساؤلاته بات يُظهر رغبته في حدوث تَحولات تُخلصه من هيمنة أميركا!.
تَنهار أسعار النفط الأميركي، فيُسارع كثيرون للتصفيق، في إشارة واضحة تُرحب بالارتدادات السلبية على أميركا التي تتلاعب بلا انقطاع بالأسواق العالمية النفطية وغير النفطية، قهراً للشعوب واستعباداً للمُجتمعات والحكومات والمنظمات!.
ما معنى التصفيق لانهيار أسعار النفط، أو لتَكسُّر قاعدة العرض والطلب؟ وما معنى الترحيب بآثار ذلك على اقتصاد الولايات المتحدة ومُستقبلها؟ يعني ذلك من جملة ما يعني أنّ العالم ضاق صدره من أميركا وسياساتها المُتغطرسة، وبات يتعلق بأي خيط أمل بجعلها تتراجع، تَأفُل، تنكسر، لتصل للانهيار والتشظي.
لا نتحدث هنا عن تصفيق مَحدود فاتر، ولا عن آمال ضيقة تُعبر عن مساحة مُتواضعة، وإنما عن تصفيق حاد حار وواسع، وعن آمال عريضة لا حدود لها، بل تتخطى الحدود المُتعارف عليها سياسياً وجغرافياً، وهو ما يُوضح مَقادير البلطجة والعسف والعدوان التي تُمارسها أميركا، وما يَكشف عن حجم الغضب العالمي منها، وعن اتساع الأُمنيات بحصول التحولات الكبرى التي من شأنها أن تُمزق أميركا والصفحات السوداء التي تَكتبها.
قد يكون من السهل فهم ذلك كمشاعر، بل يمكن تَفهم ما هو أبعد منه بالإطار الانفعالي، وربما يكون مُبرراً التعبير الجَمعي عن الشعور تجاه أميركا، لكن يبقى الأمر الأكثر صوابية ليس التعبير بالأماني، وإنما بالعمل المُقاوم الذي يُترجم فعلاً مُؤثراً، ذلك أنّ أميركا لا تتقدم بسرعة لاحتمالات التراجع والانكفاء والضعف والانهيار، إلا لأنّ حماقاتها تتضاعف، وإلا لأن هناك من يُقاوم سياساتها ويَهزم مُخططاتها، وبالتالي يُسهم بالتهيئة لفَرض التحولات الكبرى، لا انتظار حدوثها… نحن نُؤمن بسيادتنا وحقوقنا، نُمارس المقاومة دفاعاً وحماية، نَصنع التحولات بإرادتنا، لا ننتظر وقوعها.