في المنعطفات والمحن الكبرى التي تمر بها الشعوب والأمم، تظهر الحقائق عارية تماماً، إن خيراً فخير، وإن شراًً فشر، فمهما حاول المجتمع، أي مجتمع إخفاءها فلن يكون بمقدوره الاستمرار بذلك أمام صدمات وحقائق كبرى وتحولات جذرية لا يعرف أحد متى وكيف تستقر، وإن كانت ملامح بعضها قد ظهرت وبانت تماماً، فكيف بالمحنة التي يمرّ بها العالم اليوم، وهي أكثر عمقاً وتجذراً من المحن التي كانت حروباً وويلات، فثمة دول لم تخض حروباً سابقاً، وبقيت بمنأى عن الكوارث الكبرى.
لكنّ محنة اليوم، شاملة، جامعة، تحفر مجراها بعمق وتراكم الآثار المدمرة على المجتمعات كافة، عرت وأظهرت واقع العالم الذي يدّعي التقدّم والإنسانية، ويُحارب بالمصطلحات الخلبية كل الدول التي لا تمضي في ركبه، فالولايات المتحدة التي صدّرت للعالم آلاف المصطلحات الخلبية عبر المؤسسات الأممية، وجعلتها عصا التدخل لفرض الطاعة هل نذكر ببعضها: قيمة الإنسان، حريته، صحته، كرامته إلخ.
ومثلها القارة العجوز التي تاجرت قبل أميركا بكل شيء، فجأة يأتي طوفان الحقيقة، على ظهر جائحة كبرى، وساعة تلو الساعة تتعرى الوقائع وتتكشف، النظام الصحي الغربي أكذوبة كرامة الإنسان التي تاجروا بها، أكثر نفاقاً، التأمين الصحي والأمن الاجتماعي، لا شيء من هذا.
عجزة ومسنون يلقون حتوفهم بلا أدنى ذرة من اهتمام، مئات منهم تتحلل جثثهم في شاحنات النقل، لا أحد يدري بهم إلا بعد انتشار العفن، وفي دور العجزة الأمر ليس أفضل من الذين ماتوا في الشاحنات لقوا المصير بصمت مطبق، مليارات من اليوروات والدولارات، كان الغرب يُسوّق أنها تُنفق على الرعاية الصحية والأمن الاجتماعي، لكنها مجرد أرقام للاستهلاك الإعلامي، ومجرد منصات خلبية كاذبة.
الغرب الذي يريد لمركزيته وكذبته الكبرى أن تبقى، هو اليوم بمواجهة واقع متبدل متغير، يكشف كل شيء، ما كان أخضر في الدعاية الإعلامية والسياسية، وعبر منابر ومنصات أممية، غدا اليوم هشيماً تشتعل فيه نار الحقيقة، قد يطول الاشتعال، لكن شرارته بدأت، والكذبة الكبرى لم تعد قادرة حتى الآن أن ترتق ثيابها الممزقة على الرغم من الهروب نحو قضايا أخرى، لكن الفتق اتسع على الراتق، ولن يكون مقبولاً في قادمات الأيام أن يتسيد منابرالأمم المتحدة مسؤول غربي ليقدم نفسه خطيباً وواعظاً بحقوق الانسان، فقد تهشمت المرايا، وكنا نعرف أن الصدع قادم، لكن ليس بهذه السرعة.
معاً على الطريق- بقلم أمين التحرير: ديب علي حسن