ثورة اون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يُملي الضجيج السياسي حضوره وسط الأروقة الاستخباراتية والدبلوماسية الغربية التي تتزاحم هذه الأيام على استنفار آخر طاقاتها وضخّها في رسائل غير سياسية تحت عنوان تسليح الإرهابيين.
وفيما كيري يستمع لشرح مسهب من هيغ عن الخبرات البريطانية في تسليح الإرهابيين، يتكفل فابيوس بتسويق الأهداف والنتائج التي سيحققها الغرب من هذه الخطوة بحكم ماتراكم لدى الفرنسيين من تجارب التنسيق مع إرهابيي القاعدة على الأرض الليبية، في وقت يدركون جميعاً أنهم باتوا محشورين في زاوية ضيقة تكاد أن تغيب فيها الخيارات، بعد أن تداعت كل أوهامهم التي رسموها بانتظار تمنياتٍ لا أفق متاحاً لها في المدى المنظور.
قد لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدقيق، خصوصاً حين يقترن بمعرفة تفاصيل المأزق الذي يواجهه الغرب، وحالة التأزم القائمة لدى أدواته، وهي التي اعتادت على افتعال الضجيج، ولا سيما أنّ مرتزقتها التي تواجه انتكاسة حقيقية، تهدد بالارتداد عليها وسط انتقادات حادة واتهامات وصلت إلى حد التلويح بكشف المستور!!
هذا ربما يفسر التزاحم البريطاني الفرنسي على تقديم المقاربة بتلك الطريقة التي تشي بمساحة الارتباك القائمة، ولم تكد واشنطن تسرب ما لديها من أفكار حتى سارع هيغ إلى واشنطن، في حين لجأ فابيوس إلى طريق آخر مختصر، قدم عبره لائحة بنصائحه، التي لم تكن خالية من هواجس القلق من العواقب إذا ما تقاعست واشنطن عن التحرك في الطريق ذاته.
لكنه في محتواه الأخطر يقدم رسائل من خارج السياسة، حين يقترن بالتوقيت الذي تختار فيه واشنطن الإفصاح عن نياتها، وعودتها إلى ما كانت قد نأت بنفسها عنه طوال الأشهر الماضية، والتي يرى فيها البعض أبعد من جواب غير مباشر على الطرح الروسي التي طلبت من الجميع حسم اصطفافهم ومواقفهم بين الجنوح نحو الحل السياسي، وبين الوقوف إلى جانب من يرفضون الحوار.
البعض يذهب أبعد من ذلك ويرى فيه خطابات نأت بنفسها عن لغة المهادنة في التعاطي مع روسيا، بعد أن تبلغت مخاوف إسرائيل التي أوكلت مهمة الرد للأوروبيين، وخصوصاً حين بدت بعض الأصوات الإسرائيلية تغرد خارج السرب.
لا شك بأن هذا التكالب الغربي على الحديث عن التسليح كخيار وحيد مطروح على الطاولة، يؤخّر لبعض الوقت مشهد الاعتراف بالهزيمة والإقرار بفشل مرتزقتهم في تحقيق ما كانوا يراهنون عليه، لكنها لا تستطيع أن تشمل بالفعل كل الاحتمالات التي تنطوي تحت المسعى الغربي إلى المجاهرة برغبتها بالتسليح، حيث تقف على الضفة الموازية سيناريوهات أخرى..
في مقدمتها أن أميركا الباحثة عن طريق يخفف من خسائرها السياسية إذا ما اضطرت إلى إلزام أدواتها بالكف عن تلغيم المؤتمر الدولي، وإلى مرتزقتهم بحزم حقائبهم أو تركهم ينزعون اشواكهم بأيديهم، إن أميركا هذه تراهن حتى هذه اللحظة على العامل الإسرائيلي، وترى فيه طريقاً للخلاص ولا تريد أن تقفل عليه، أقله في الوقت الراهن .
وهذا يتقاطع مع التسريبات المتعمدة لما أسفرت عنه جولة المشاورات الأميركية الإسرائيلية الأخيرة بتأجيل زيارة كيري للمنطقة، تهيئة لمباحثات وزير الحرب الإسرائيلي في واشنطن التي أبدت ميلاً واضحاً لتبني وجهة النظر الإسرائيلية، بأن التسليم وفق الظروف الراهنة سيكون هزيمة مدوية للخيارات الإسرائيلية، وقد يقلب الطاولة رأساً على عقب، ويطيح بقائمة ما حققته إسرائيل من فصول الصقيع العربي المنتشرة على امتداد المنطقة.
ما هو مؤكد أن الهوس الفرنسي تجاوز حدوده، وهستيريا فابيوس باتت تحاكي أوهام مرتزقته وهي تدفع بالتراكض الغربي إلى تخطي الرسائل السياسية على ما فيها من مضامين خطيرة، ويمثل بلاغاً صريحاً عن إعلان حرب يذهب فيها الغرب للانخراط بإدارتها، والتلويح الصريح بالمشاركة فيها، بعد أن أدرك متأخراً أن وكلاءه في إدارتها لم يحسنوا التصرف، وفشلوا في التكتيك والاستراتيجيا على حد سواء، وميدان تقسيم في اسطنبول قرينة حاضرة،وانكفاءالمشيخة القطرية عن الواجهة مقابل خروج سعودي إلى العلن دليل واضح، فيما يبقى بروز العامل الإسرائيلي كحامل لهذا الهوس بالتسليح، شاهد إثبات.