ليس بالأمر الجديد أن تتعرض جمهورية الصين الشعبية لحملة إعلامية اتهامية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه الرئاسي فهذا كله يأتي في سياق سياسة ونهج اتبعته أميركا بمواجهة الصين بعد النجاحات الهامة والقفزة الهائلة التي حققتها على الصعيد الاقتصادي والسياسي، النفوذ الذي حظيت به على المستوى الدولي باتباعها سياسة سلمية تقوم على تبادل المنافع وتقديم المساعدات بمختلف أشكالها للدول الفقيرة والنامية لتمكينها من تنفيذ خطط التنمية البشرية ورفع مستوى معيشة السكان، ومعالجة أسباب الفقر والجهل وغيرها من مشاكل تعاني منها دول العالم الثالث إضافة إلى مواقف الصين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن القائمة على احترام الشرعية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة ما ساهم في الحد من السطوة الأمريكية على المنظمات الدولية والحيلولة دون اتخاذها ادوات للتأثير على السياسات التي لا تسير في الرتل الأمريكي ولا تنسجم مع العقلية السياسية الامريكية القائمة على فكرة الهيمنة والتوسع ونهب ثروات الشعوب .
أمام هذا الموقع المتميز للصين على المستوى الدولي والسمعة الطيبة التي تحظى بها والخطط الإستراتيجية التي وضعتها للارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين دول العالم وربطها عبر مشروع الحزام، والطريق الذي يحول دون سيطرة الولايات المتحدة على خطوط التجارة البحرية، والتحكم بها ويفسح في المجال للارتقاء النوعي للتفاعل الحضاري بين الشعوب الأمر الذي وجدت فيه أميركا تهديدا لما تسميه مصالحها الإستراتيجية، وأمنها القومي المزعوم ويحد من هيمنتها على السوق الدولية إضافة لسعي الصين وغيرها من دول البريكس للتعامل بالعملات المحلية، والتخلص من هيمنة الدولار الأميركي الذي تحول الى أداة ضغط سياسي على دول العالم، ناهيك عن الصعود الاقتصادي للصين وتحولها إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم يترافق مع نسب تنمية سنوية عالية وناتج محلي يزيد على 6بالمئة;مع أفق مستقبلي بمؤشرات صاعدة يقابله على المقلب الآخر ركود وانكماش اقتصادي في أميركا مع تزايد لنسب البطالة وتركيز على الصناعات الثقيلة والعسكرية، التي لا تجد لها أسواقاً أو تسويقاً إلا عبر الحروب والصراعات والنزاعات، وما لذلك من أثر سلبي على العلاقات الدولية وانعكاس مدمر على اقتصاديات الدول النامية، والتي تسير في طريق بناء اقتصاديات وطنية تعتمد على الموارد المحلية والاستثمار في الرأسمال الاجتماعي والمساعدات الخارجية ذات الطابع الفني وتقديم الخبرة، وهو ما تقوم به جمهورية الصين الشعبية عبر سياسة ثابتة يقرها الحزب الشيوعي الصيني، وتعتمدها نهجاً في علاقاتها مع دول العالم الأمر الذي أكسب الدولة الصينية والشعب الصيني سمعة وصورة طيبة لدى دول وشعوب العالم على عكس ماهو عليه الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية حيث ولدت حالة من الكراهية، تجاهها بفعل السياسات الرعناء ولغة الهيمنة واتباع سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على دول العالم التي لا تستجيب لسياساتها القائمة على فكرة الهيمنة والتسلط والابتزاز وعسكرة العلاقات الدولية .
أمام هذا المشهد وجدت الإدارة الاميركية في انتشار فيروس كورونا فرصة للتصويب على جمهورية الصين الشعبية واتهام مخابرها بتصنيع الفيروس القاتل، ومحاولة تحميلها مسؤولية ذلك والسعي للإساءة لسمعتها العطرة على الصعيد الدولي وابتزازها مالياً كما فعل الرئيس ترامب مع بعض الدول بما فيها حلفاء أميركا الأوروبيين، ولاسيما أن المؤسسات الأميركية التي لم تولِ المرافق الصحية ما تستحقه من اهتمام ورعاية ما ساهم في سرعة انتشار الفيروس، وارتفاع أعداد المصابين والمتوفين في أميركا حيث زاد على المليون وهو عكس ما حاصل في الصين حيث تمت السيطرة المبكرة على الفيروس ومحاصرته، وهذا يعود إلى وعي الشعب الصيني والتزامه قواعد الرعاية الصحية التي وجهت بها الحكومة إضافة إلى أولوية المرفق الصحي والخدمي فيها كنهج سياسي وحكومي ثابت في برامج وخطط الحكومات الصينية المتعاقبة منذ استقلال جمهورية الصين الشعبية عام 1949 تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني وأن التربية الاركولوجية القائمة على الصداقة مع البيئة واحترامها والحفاظ على نظافتها ثقافة أصيلة لدى الشعب الصيني.
إن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والفجوة التي تركتها سياسة الرئيس ترامب في الداخل الأميركي وتركيزه على فائض قوة رأس المال الاقتصادي على حساب فائض وقوة الرأسمال الاجتماعي، سيكون الورقة الاساسية التي سيحملها في وجهه ووجه حزبه منافسوه في الحزب الديمقراطي ليخرجوه من سدة البيت الابيض من هنا يصبح التصويب على جمهورية الصين الشعبية واتهامها بتصنيع الفيروس سبيلاً للتهرب من التقصير، وتحمل مسؤولية الفشل في الحد من انتشاره وعدم السيطرة عليه وانكشاف تقصير المؤسسات الصحية في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين، الذين يدفعون مبالغ مرتفعة كضرائب للخزينة الاميركية ويقعون تحت رحمة واستغلال شركات التأمين الصحي بدل رعاية الدولة لهم.
من هنا يصبح اتهام الصين خياراً هاماً ومخرجاً بالنسبة للرئيس الاميركي وإدارته للتحلل من المسؤولية التقصيرية في مواجهة وكبح انتشار الفيروس، ما يعني من الناحية السياسية أن كورونا سيصبح ورقة هامة في البازار الانتخابي الأمريكي وقد يطيح هذا الفيروس الذي لايرى بالعين المجردة بالرئيس ترامب كبير الملاكمين في الحلبة الدولية.
إضاءات- د خلف المفتاح