ثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
باغتني السؤال لمعرفة ما يحصل لنا وحولنا وسببهُ شيطان الذاكرة الالكترونية: يا ترى، ما مدى سلامة حياتنا وأمان معلوماتنا، من الفيروسات التي تنتقل عبر الفضاء بهذه السرعة الجهنمية؟.
سؤالٌ، رغم أن الإجابة عليه ليست صعبة، ولا تحتاج إلا إلى الوعي ومعرفة خفايا العالم والحياة، إلا أنني اضطررت للاستعانة بأشهر شعراء العرب علني أجد لديه ما يخفف ما أشعره وما ينتابني من هلوسات.
إنه “امرؤ القيس” الشاعر الضليل.. بادرته وأنا أحاول أن أستحضر ما قرأته عنه وأستجمع معلوماتي.. ردّدت قوله الذي حرّفتهُ فكان كالآتي: “في هذا الزمن لا تفكير، وفيما يليه سينعدم العقل والتدبير”..
يبدو أنه سخر من زمننا إلى الحدِّ الذي رفض فيه أن يرشدنا.. رفض الإجابة على السؤال، واكتفى بترديدِ بيت شعرٍ قال: “أجارتنا ما فات ليس يؤوب/ وما هو آتٍ في الزمانِ قريبُ”.
هل أشيح إلى غيره، رغم يقيني بأن سؤالي سيبقى معتلاً ويدور في لا جدوى مصيره؟.. هل أقول فعلاً ضليل، وأنا أعلم بأننا أكثر ضلالاً لطالما خُلِّد وارتقى بزمنه الجاهلي، ونحن نمعن في البحثِ عن عاقلٍ ينقذنا وزماننا من العدمِ الحضاري؟..
من يخلصني من هذه الفوضى التي سكنت ذاكرتي رأساً على عقب؟.. من يعيد تنظيمها ويطردُ منها تلك التخيلات التي قذفتها فيها العولمة بلا استئذان أو أدب؟..
فجأة يدلهمُ حولي الفضاء فيختفي الأهل والأحبة والأصحاب، أتلمس سلامة طريقي فلا أستدلُ إلا بتغريدٍ يقودني إلى “زرياب”.. لن أسأله عن سبب سواده، فأنا أعلم بأنه عاشَ كالطيرِ الغريب لا مأوى ولا شكوى، ووحده التحليقِ من خلصه من خيانة وتآمر أصحابه.
تأملتُ فيه طويلاً ظنّاً مني بأنه سيبوح بشكواه، لكنه غادرني بصوتٍ بدأ يختفي وأظنُّ صداه: “الموسيقى غذاء الروح ونبضُ الحياة وجمالها، غرِّدي كما غرّدت أبد عمري إلى أن صرتُ فضاءها”..
اختفى “زرياب” وغاب صدى صوته، وبقي السؤال ينخر ذاكرتي بحسرته: إلى متى ستبقى ذاكرتنا رهينة الشيطان الإلكتروني؟.. لِمَ سمحنا له بأن يقتحمها ويعيثُ فيها انتهاكاً غير إنساني أو حضاري؟..