ثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
هل من المعقول أن السوريين كلهم كانوا يعيشون في المنزل نفسه أو ضمن عدد محدد من المنازل لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة ؟.. سؤال بات يطرحه عدد من المشاهدين بعد متابعتهم مجموعة من الأعمال الدرامية التي دارت رحى أحداثها في الحارات والبيوت الشامية وحققت حضوراً عبر مواسم متلاحقة على الشاشة الصغيرة، وحال تلك الأعمال يقول كأن صانعيها قد حصروا أنفسهم في أماكن التصوير عينها ، لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فهم يصورون في المنزل نفسه أكثر من مسلسل وأحياناً دون محاولة تغيير حقيقية في الديكور لعل الأمر يمر على المشاهد ولا ينتبه ، وتعتبر منازل العائلات الميسورة كالزعيم والعكيد والتاجر .. هي الأكثر تكراراً وبالتالي حضوراً وترسخاً في الأذهان ، والحجة في ذلك غالباً ما تكون من نوع أن تلك البيوت متشابهة ومن الصعب التمييز بين منزل وآخر .
لا ننكر أن هناك أعمال صورت ضمن هذه البيئة خرجت إلى مساحات أوسع ، منها إلى الحارات الحقيقية والتصوير الخارجي في أماكن متفرقة من الطبيعة وكالبساتين والمغاور في الجبال وذلك عبر عدد محدد من المشاهد ، ومنها ما استكمل تصويره ضمن ديكورات في مدينة تصوير خاصة ، كما أن العمل نفسه عادة ما يكون فيه أكثر من بيت ، والأدهى من ذلك أن هناك حالة من الاستكانة للأمر فباتت المنازل دمشقية الطابع المُتاحة لأن يتم التصوير فيها معروفة ومحددة ، وحتى المخرجين لم يعد لديهم مشكلة مع هذا الأمر ، بمعنى أن المخرج عندما يدخل لمنزل صورّ فيه أكثر من عمل من باب أولى أن يحاول إيجاد حلول إخراجية يبرز فيها زوايا أخرى من هذا الفضاء المكاني الذي غالباً ما يكون غنياً وكبيراً ومتعدد الاحتمالات ، كأن يختار زوايا تصوير مختلفة من شأنها منح المتفرج إيحاء مغايراً وإقناعه أن هناك محاولة جادة للبحث عن البدائل ضمن المُتاح . ولكن يبدو أن حالة من الاستسهال أصابت عملية انتقاء أماكن التصوير وكأنها باتت (راكورات) يمكن اجترارها كل مرة وينبغي أن تكون في كل مسلسل ، وعلى الرغم من التشابه بين البيوت الدمشقية (وهو التبرير الذي يتخفى خلفه صناع الأعمال) إلا أن المشاهد اليوم بات يدقق ويلاحظ ويقارن ، فهناك مجموعة عناصر تكشف الأمر ، منها على سبيل المثال لون الحجر والأعمدة والنقوش والزخارف واللوحات الجدارية وتوزع المساحات والأدراج داخل المنزل ، فهناك بيوت تبدو واضحة المعالم وتكرارها في أكثر من عمل يثير التساؤلات عن سر الإصرار أن يتم التصوير فيها .
ضمن هذا الإطار لا نُبرئ الأعمال المعاصرة فهناك أماكن تتكرر في أكثر من عمل ويبدو ذلك واضحاً دون أي اجتهاد للتغيير في المعالم ليبدو المكان مختلفاً ، ولكن تبقى هذه الأمور لها خصوصيتها في الأعمال التي تدور أحداثها ضمن بيئة معينة لما تحمل من ميزات وفرادة إضافة إلى أجوائها العامة ، والأمثلة حول ذلك كثيرة وحاضرة أمام الجميع في الكثير من الأعمال .
مما لا شك فيه أن المتوفر اليوم من مواقع تصوير يختلف عما كان متوفراً قبل الحرب التي شُنّت على سورية ، حيث تقلصت الخيارات للعديد من الأسباب وأبرزها الحرب ، فباتت أقل وأصعب ، وانحصر خيار (المنزل الدمشقي الكبير) ضمن منزلين أساسيين أو أربعة على أبعد تقدير ، ولكن على الرغم من ذلك يمكن القول إنه بقليل من الاجتهاد أثناء استطلاع مواقع التصوير يمكن الخروج من هذا المأزق نحو فضاءات أوسع ، خاصة أن عملية (استطلاع مواقع التصوير) هي واحدة من بديهيات ودعامات العمل الدرامي التلفزيوني ، فلتأخذ حقها كاملاً ، وهو اقتراح يمكن ضمه لاقتراحات أخرى من شأنها أن تساهم في زيادة وتنوع الألوان ضمن الصورة المُقدمة.