ثورة أون لاين:
لطالما عجن الكاتب من طحين روحه خبز يومه، مستبسلاً من أجل قناعاته ،باحثاً عن وجهات نظره بين وجوه اللغات، فحبله السري لم ينقطع من مفردات الضوء، يطل عليها بأوكسجين الحياة هناك حين تقسو أغصان الأمل وتحول العالم إلى قرية صغيرة صنعها قمر صناعي مليء بضوضاء الفكر والحالات النفسية التي ما إن سألك الموقع الاجتماعي “فيسبوك” بماذا تفكر حتى تنهال المفردات التي قد لا تلقى المصغي والمجيب، فتتلعثم وتصمت، في حين تجعلك كمتلق تعيش انفصام المشاعر ما بين أن تحزن أو تفرح ،ولاسيما أنك مضطر إلى قراءة حالات الأصدقاء ونتاجاتهم ولاسيما في فترة الحجر المنزلي الذي كان لوباء “كورونا” الفضل فيه في عزلنا جميعاً في الوقت نفسه، مرغمين أن نصغي لبعضنا ونمعن النظر في وجوهنا ومرآتنا فلا نتغير إلا بتوقيت الضرورة واليجب.
ومن هنا كان لابد أن يبحث كل متعبٍ من حمل ِ أفكاره عن متنفس ثقافي يشبهنا نصغي ونشاهد ونحلم، بعيداً عن ارشادات الصحة الجسدية والنصائح للتصدي لذاك الوباء، ولاسيما أن الباحثين عن أنفسهم في مواليدهم الفكرية لا يستطيعون أن يحجروا على ما يفكرون به، فكان لابد من منبرٍ الكتروني ينطلقون منه يخاطبون عشاق الأدب والفن والثقافة أينما حلوا ومهما بعدت المسافات، متفاعلين معلقين ومشاركين المعلومات ببث مباشر عبر صفحاتهم الشخصية، فكان من تلك المنابر أسوة بالمنابر التعليمية “التعلم عن بعد”، الصفحة الرسمية لمديرية ثقافة ريف دمشق التي أطلقت مبادرة “معاً لثقافة أرقى – خليك بالبيت” ببرنامج يومي على مدار الاسبوع يحاكي عقل وفكر وروح المتلقي ويجيب عن تساؤلاته ويرضي شغفه، ونذكر على سبيل الذكر وليس الحصر لقاء المطرب الكبير صباح فخري وابنه أنس الذي عرض يوم أمس ولاقى الألاف من المتابعين، بينما أجابت المحاضرة الطبية للدكتور بهجت عكروش عن تساؤلنا “الكورونا إلى أين وإلى متى؟ “، في حين خففت محاضرة الدكتورة في علم النفس نعمت الداهوك رهاب الامتحان بعنونة لقائها المباشر “القلق الامتحاني” والتي نالت صدى واسعاً لدى الآلاف من المتلقين، وإن ذلك التفاعل مع البرنامج الثقافي بكل محتواه الفني والثقافي والتعليمي والتربوي يعتبر خطوة مهمة في دعم الملتقى وكما سمته الداهوك بأنه يعكس صدى المجتمع وحالته وبماذا يفكر.
في حين قررت الأديبة سعاد مكارم أن تحاضر عن الطفولة نظراً لما يشغل بال المربين وعدم قدرتهم على تربية الأطفال تربية صحيحة مستعينة مكارم بالمراجع والأبحاث والدراسات النفسية التي نشرت في الصحف الرسمية والأبحاث التي نشرتها من أجل تربية سليمة يعين الأهل على تأسيس شخصية الطفل كتأجيل تحقيق رغبات الطفل وغيرها من المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمع.
أما عن خوابي الشعر والتي لها حصة كبيرة من الملتقى، استهلها الشاعر الإعلامي بلال أحمد، وجمّلها الشاعر فرحان الخطيب وأضافت عليها أنوثة الشاعرة فردوس النجار، وأغناها الأديب سهيل الذيب ،وزينها الفنان الشاب علاء ناصر، وغيرهم الكثير من الفنانين والشعراء الذين أغنوا الملتقى الثقافي على صفحة مديرية ثقافة ريف دمشق ،والتي كانت قدوة ودافعا للكثير من الصفحات الالكترونية في مختلف المحافظات لما لاقى البرنامج نجاحاً بتحريك ركود الوسط الثقافي في مرحلة العزلة المنزلية والحجر الصحي، وكل ذلك بإشراف غالب الزعبي مدير مديرية ثقافة ريف دمشق، وبنشاط وجهود شخصية من مديرة المكتب الصحفي في المديرية الشاعرة سناء الصباغ محاولة منها التواصل مع كل من يريد المشاركة في برنامج الاسبوع الثقافي الالكتروني رغم التباعد الاجتماعي ما حجز للكثير من الأدباء حتى المغتربين منهم منبراً في الملتقى للمشاركة في الأسابيع المقبلة التي تحمل الكثير من المفاجآت ومنها “زيارة ثقافية” وفق ما أعلنت عنه الصباغ.
بذلك لم تخل المراكز الثقافية من عشاقها ،ولم تُهجر منابرها، بل تخلت عن هيكلية المكان فقط ، لتتلاقى الأفكار والأرواح عبر نافذة صغيرة يجتمع بها كل من يحب أن يرتقي بفكره ويتناغم مع الآخر ليشكل سيمفونية ثقافية تغرد خارج عزلة الأمكنة.
رنا بدري سلوم