ثورة أون لاين-عمار النعمة:
منذ عقود طويلة وماتزال مسلسلات السيرة الذاتية محط نقاش وأخذ ورد بين مؤيد لها و ناقد ،فهناك من يطلبها وهناك من يرفضها،لأن ثمة من يراها أنها مجازفة بحد ذاتها، فدراما السيرة الذاتية تبقى من أخطر الأعمال التي يتم تقديمها لأنها تكشف لنا حقبة من الزمن وليس خبايا الشخصية فقط، لذلك في الغالب يُطلب من القائمين على هذه الأعمال أن يتحروا بالدقة والإتقان عند اختيار هكذا أعمال.
من جهة أخرى نجد الجهات المنتجة تشهد سباقا كبيراً لاختيار النجم الأفضل والأنسب لتقديم هذه النوعية من الدراما… فهي بالنسبة للممثل (النجم) فرصة مهمة في تاريخه المهني، لأن أهمية تلك المسلسلات لا تأتي من الشخصية وحدها التي ستكون محط أنظار كثر فحسب، بل من بعض التفاصيل الدقيقة التي تتناولها عن تلك المراحل التاريخية الثرية بأبعادها السياسية والاجتماعية والفنية التي عاشت فيها هذه الشخصية.
لاشك أن بداية إنتاج مسلسلات السير الذاتية كانت في سبعينيات القرن الماضي، بمسلسل (الأيام) الذي تناول حياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ومسلسل (العملاق) عن حياة الأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التي روت حياة مشاهير الأدب والفن والسياسة، نذكر منها على سبيل الذكر، عبد الحليم، ونزار قباني، وجبران خليل جبران، والفاروق، واسمهان،وفريد الأطرش وهارون الرشيد وغير ذلك الكثير … وبعد سلسلة من الأعمال المُنتجة انتبه صنّاع الدراما إلى النجاحات الكبيرة التي تحققها هذه النوعية من المسلسلات .
اليوم ضمن خارطة الدراما لعام 2020 انتجت المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في وزارة الإعلام مسلسل (حارس القدس) الذي يقدم مسيرة حياة المطران هيلاريون كبوجى بما تحمله من قيم وطنية وقومية وروحية .
العمل الذي كتبه حسن م يوسف وأخرجه باسل الخطيب استطاع أن يعيد لأعمال السيرة الذاتية ألقها،فالعمل الذي اجتمع به المخرج والكاتب والممثل كيد واحدة,،وبالتالي اكتملت عناصر العمل الفني, لايمكن إلاّ أن يظهر بشكل جميل ولافت … وهو بحق استطاع أن يحقق مشاهدة جماهيرية عالية عندما قدّم تفاصيل مهمة بقالب فني مشوق من إخراج وتصوير ونص وأداء تمثيلي.
ترصد الحلقات الثلاثون سيرة المطران المناضل، مع التركيز على الأيام السبعة الأخيرة من حياته في الفاتيكان،حيث يمتد العمل على مساحة تاريخية
كبيرة تبدأ من عام: 1933 حتى عام 2017 إضافة إلى أحداث عاصرها
المطران كبوجي من النكبة،والنكسة،وحرب تشرين
التحريرية.اضافة إلى أحداث لبنان, وبعدها الحرب على سورية،فكبوجي ظل يناضل من أجل وطنه سورية
حتى عندما كان منفياً في إيطاليا
وأصبح يمثل نموذجاً لرجل الدين
الحقيقي المعبّر عن جوهر الإيمان في محبة الوطن والحقّ والخير .
ويذكر العمل أن رجل الدين هو في النهاية راع لقضايا شعبه ومُدافع عن حقوقه… كما أن موقفه من الأحداث في الوطن العربي وسورية كان حاسما منذ الأيام الأولى.
بعيداً عن أهمية العمل التي لابد من التوقف عندها يمكن القول : انه ربما سيشكل هذا العمل مقدمة لتجسيد شخصيات نضالية جديدة،وربما سيعيد لأعمال السيرة الذاتية بريقها من جديد،فرؤية ردود الفعل على مشاهدة العمل دليل واضح على عطش الجمهور لهكذا اعمال، لاسيما إذا كان يمتلك معلومات دقيقة عن الشخصية أو المرحلة التي تمر بها من خلال نص محكم مكتوب بحرفية عالية، فهذه النوعية من الأعمال لاتقبل الضعف أو الخلل بأي اتجاه من عناصرها لأنها قد تسيء لتلك الشخصية أو تلك، وبالتالي لابد من الوقوف طويلاً عند انتقاء أي شخصية لها مكانتها سواء في التاريخ أو السياسة أوالفن، وأن يكون هناك ثمة متابعة حثيثة لأدق التفاصيل،فبذلك وحده نستطيع أن نصنع عملاً ذا رؤية جمالية وفكرية وتاريخية .