جريمة مينيابوليس وأسباب الفوضى التي شهدتها أميركا؟!

ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:

ما من شك بأن جريمة مينيابوليس العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية ــ وهي حادثة شديدة التكرار في تلك البلاد ذات النزعة العنصرية ــ وما تلاها من احتجاجات شعبية وعمليات نهب غير مسبوقة ،وأعمال عنف وقمع وحشية واعتقالات من قبل السلطات الأميركية، قد سرقت الاهتمام والأضواء مما عداها من أحداث مهمة على مستوى العالم، وثمة من يتساءل باستغراب ودهشة لماذا ينشغل العالم كله بهذا الحدث ويترقب تفاعلاته المتسارعة بمشاعر متناقضة يتداخل فيها الفرح والقلق إلى جانب مشاعر أخرى، بالرغم من الكوارث والأزمات والصعوبات التي يعانيها وخاصة في ظل جائحة كورونا التي أوقفت معظم النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتجارية والسياحية والرياضية..إلخ على كوكب الأرض في تطور غير مسبوق عالمياً..؟!
من المتعارف عليه أن للولايات المتحدة وضعاً خاصاً على الساحة العالمية لا يشبه ما عداه، وضع استثنائي يفرض اهتماماً خاصاً من قبل الجميع لأن الولايات المتحدة تفرض وجودها وهيمنتها وتدخلاتها في شؤون معظم دول وشعوب العالم، إما احتلالاً مباشراً كحال وجودها غير الشرعي في أفغانستان والعراق وسورية ومناطق أخرى، أو عن طريق قواعد عسكرية كحال وجودها في أوروبا وتركيا والخليج وشرق آسيا وبعض القارة الأفريقية، أو عبر هيمنتها المالية والاقتصادية التي تمتد على مساحة الكرة الأرضية، أو علاقاتها التحالفية التي تؤثر في مناطق صراع مختلفة كتحالفها مع الكيان الصهيوني الغاصب، أو عبر عقوبات وإجراءات قسرية على الدول التي تقاوم سياسات الهيمنة والعدوان كحال روسيا والصين وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية..إلخ، ما يعني أن الاهتمام بالحدث الأميركي ليس ترفا إعلاميا مجانياً بل هو رغبة وفضول لدى معظم دول وشعوب العالم قاطبة لمعرفة كيف سيتصرف هذا العملاق العسكري والسياسي والاقتصادي في أزمة وضعته أمام مفترق طرق صعب، وخاصة أن كل المواصفات التي سبق ذكرها من قوة وهيمنة وغطرسة وقواعد وانتشار لم تحل دون وقوعه في سيناريو ربما أكثر خطورة من السيناريوهات التي لطالما عدها للكثير من خصومه حول العالم.
غير أن ما يثير الاستغراب والدهشة في تعاطي الإدارة الأميركية ــ وهي كل ما ذكرنا ــ أنها استخدمت نفس النهج والأسلوب الذي استخدمته دول وحكومات أخرى لمواجهة أزماتها الداخلية، بحيث لجأت إلى تحميل مسؤولية ما يجري على أراضيها إلى جهات وقوى خارجية وكأنها دولة ضعيفة ويمكن اختراقها بسهولة، مروراً بتهديد الرئيس الأميركي “المثير للجدل” دونالد ترامب بقمع المحتجين بقوة وقيامه بإشراك الجيش الأميركي في عمليات القمع الوحشية التي شاهدها العالم، وصولاً إلى اتهام المحتجين السلميين بالإرهاب لتبرير استخدام الأسلحة الفتاكة في عمليات السيطرة على الوضع، وهي نفس الملاحظات التي توجهها الولايات المتحدة في العادة إلى خصومها من الدول التي تتعرض لمشكلات وأزمات وأحداث عنف تحمل مواصفات الإرهاب كما حدث في سورية على مدى تسع سنوات.
يقيناً لو صدرت مثل هذه التصرفات من أي سلطة أو دولة أخرى في العالم غير الولايات المتحدة لكان بالإمكان تبريرها، لأن أصابع التخريب الأميركية وأصابع عملائها وحلفائها ومرتزقتها موجودة في كل الأماكن وتقوم بنفس الأدوار علناً بحيث لا تحتاج إلى أدلة لكشفها ،فدعم “المعارضات” غير الوطنية والجماعات الراديكالية المتطرفة هو أحد أدوات واشنطن لتوسيع هيمنتها وإيذاء خصومها بشكل مباشر، أما أن تقوم الولايات المتحدة المتغطرسة والمتجبرة بتبرير أزمتها على هذا النحو فهذا يكشف ضعف الحالة الاجتماعية والأمنية الأميركية، كما يكشف في الوقت ذاته زيف شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحرية الإعلام وحق التظاهر وما إلى ذلك من شعارات براقة تستغلها الولايات المتحدة في العادة لتخريب أوضاع الدول الأخرى ومد نفوذها غير الشرعي إليها..!
من الجدير بالذكر أن الحالة العنصرية ضد الأقليات الملونة في الولايات المتحدة هي حالة متجذرة في مجتمع البيض الأميركي و عمرها أكثر من قرنين، وقد دفع أثمانها الكثير من الأميركيين من ذوي البشرة الملونة، وأما حالات النهب التي حدثت في المتاجر والمحلات الأميركية فتشير بوضوح إلى وجود فقر مدقع لدى شريحة كبيرة في هذه البلاد الغنية نتيجة الخلل الهائل في توزيع الدخل الوطني والسياسة الرأسمالية الجشعة والمتوحشة التي قسمت المجتمع الأميركي إلى طبقات شديدة التفاوت، أما حالات القمع الوحشية للمتظاهرين السلميين في المدن الأميركية فتؤكد طبيعة النظام الرأسمالي القمعي الذي لا يقبل أي صوت آخر غير صوته المهيمن، الأمر الذي يفضح النظام الأميركي ويعريه أمام شعبه قبل أن يعريه أمام بقية شعوب العالم التي تعاني من مظالم وتدخلات واشنطن

آخر الأخبار
5 آلاف سلة غذائية وزّعها "الهلال  الأحمر" في القنيطرة آليات لتسهيل حركة السياحة بين الأردن وسوريا دمج الضباط المنشقين.. كيف تترجم الحكومة خطاب المصالحة إلى سياسات فعلية؟  قمة المناخ بين رمزية الفرات والأمازون.. ريف دمشق من تطوير البنية الصحية إلى تأهيل المدارس   زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي     تحسن ملحوظ في سوق قطع غيار السيارات بعد التحرير  "إكثار البذار " : تأمين بذار قمح عالي الجودة استعداداً للموسم الزراعي  دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي