ثورة أون لاين _ ترجمة أمل سليمان معروف:
سيعلن دونالد ترامب (قانون قيصر) ولكنه بذلك يشدد الحصار نحو تطبيق إبادة جماعية على الشعب السوري. والمفارقة أن هذا القانون يفرض عقوبات أكثر خطورة تعوق السوريين من الحصول على مصادر الطاقة والغذاء والدواء.
ومع ذلك، تأتي الخطوة في وقت يواجه فيه الوجود العسكري الأميركي المتقلص هجمات مقاومة في كل من سورية والعراق ، يتخلى حلفاء واشنطن عن (التحالف) الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، يقوض ترامب حلفاءه المحليين في لبنان والعراق ، من خلال التهديدات والاضطرابات الاقتصادية، يساعد الدعم الأميركي المفتوح لمزيد من التطهير العرقي في فلسطين في دفع الصورة الدولية للفصل العنصري الإسرائيلي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، تعاني واشنطن من توترات خطيرة في العلاقة مع الدول الأوروبية بشأن حروب أميركا الاقتصادية المدفوعة على إيران وروسيا والصين، و يعيد حلفاء الولايات المتحدة ، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والكويت النظر في علاقاتها مع دمشق.
في ظل هذه الظروف، يبدو تشديد الحصار على سورية إجراء يائساً، وإشارة على فشل يلوح في الأفق. إن مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، الذي بدأه بوش، وطوره أوباما وورثه ترامب، وصل لحالة سيئة للغاية. تحدث ترامب في البداية عن انسحاب براغماتي من سورية، ولكنه ومنذ توليه منصبه، لم ينجح إلا في التعمق في سلسلة من التدخلات الفاشلة المتعددة في المنطقة: من فلسطين ولبنان وسورية إلى العراق وإيران واليمن.
إن الإشارة إلى (قيصر) في الإجراءات الأخيرة ضد سورية ليست كناية عن الأباطرة الرومان – الذين تحاكيهم غطرسة رجل واشنطن – بل كناية إلى منشق سوري مجهول في دعاية حرب تضليل بدأت قبل بضع سنوات، باستخدام صور مفبركة.
لكن بما أن سورية كانت تحت حصار شديد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من ثماني سنوات، يجب أن نسأل: ما الهدف من الإجراءات الجديدة المسماة قانون (قيصر)؟ يكمن الجواب في الحرب الاقتصادية الموسعة على المنطقة بأسرها ، وفي خوف واشنطن من كسر بعض حلفائها لكلمتها والتوجه لتطبيع العلاقات مع دمشق. هل هو (اللهاث الأخير) لمقامرات واشنطن الفاشلة في (الشرق الأوسط الجديد) ؟ حيث يشير التصعيد حين الخسارة إلى اليأس.
يتظاهر قانون (قيصر) الأميركي الجديد بأنه يمنح الرئيس الأميركي سلطة عالمية لفرض غرامات ومصادرة أصول أولئك الذين (يدعمون أو يشاركون في عقد صفقات مهمة) مع الحكومة السورية في أي مكان في العالم. و يعد هذا جزءاً من قانون شامل يسمى قانون تفويض الدفاع الوطني والذي لا علاقة له باسمه، سواء فيما يتعلق بـ (الدفاع) أو (الحماية).
لا شيء من هذا يضيف ضغطاً كبيراً على حلفاء سورية مثل روسيا وإيران والصين وفنزويلا وكوبا، التي تواجه بالفعل عدواناً اقتصادياً مشابها من أميركا. ومع ذلك ، فإنه يركز على حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والخليج. حيث بعثت دول أوروبية عديدة، بعد أن أعربت عن عدم رضاها عن الحروب والتهديدات والتدخلات الأميركية المستمرة، بممثلين لمناقشة تجديد العلاقات مع دمشق، في الوقت نفسه، أعادت الكويت والإمارات العربية المتحدة فتح سفارتيهما في دمشق وتستعدان للمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار.
في غضون ذلك، منعت الولايات المتحدة وكالات الأمم المتحدة من تمويل مشاريع إعادة الإعمار في سورية، بما في ذلك منع مساعدة اليونسكو لإعادة إعمار حلب وتدمر المسجلتين في مدن التراث العالمي. وهذا يتناقض بشكل حاد مع تمويل اليونسكو لمشاريع إعادة الإعمار في مدينة الموصل (غير المسجلة في التراث العالمي) في العراق.
لاحظت منظمة الصحة العالمية أن العقوبات الأميركية-الأوروبية منذ عام 2017 أضرت بحصول السوريين على الأدوية الأساسية، بما في ذلك أدوية الأطفال المصابين بالسرطان، وقد أصدر مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريراً في 2018 جاء فيه:
(قبل الأزمة الحالية ، كانت سورية تتمتع بأعلى مستويات الرعاية الصحية في المنطقة، لقد طغت المطالب التي خلقتها الأزمة وخلقت مستويات عالية للغاية من الحاجة، على الرغم من ذلك ، أضرت التدابير التقييدية، وخاصة تلك المتعلقة بالنظام المصرفي ، بقدرة سورية على شراء الأدوية والمعدات وقطع الغيار والبرامج ودفع ثمن ذلك، على الرغم من وجود استثناءات نظرية، إلا أن الشركات الخاصة الدولية غير راغبة عملياً في تجاوز العقبات اللازمة لضمان قدرتها على التعامل مع سورية دون تفادي اتهامها بانتهاك التدابير التقييدية عن غير قصد).
إن نظام ترامب – الذي غرق في وباء كوفيد 19 الرهيب الذي قيل أنه قتل أكثر من 110،000 شخص في الولايات المتحدة وحدها، وعمت فيها مظاهرات بعد أحدث سلسلة من جرائم القتل على يد الشرطة العنصرية – اختار قيصر هذه المرة لزيادة معاناة الشعب السوري، فواشنطن غير القادرة على الإطاحة بالحكومة في دمشق، تسعى لمنع الدول الأخرى من مساعدة سورية في الاحتياجات الحرجة أو في إعادة الإعمار بعد الحرب.
عزز نظام ترامب الحرب الاقتصادية على جميع القوى المستقلة في المنطقة، وهي حرب بدأها بوش وأوباما. كان هناك حصار (لتطبيق أقصى ضغط) على إيران وحصار كامل لسورية وفلسطين واليمن إلى جانب الإجراءات القسرية التي تستهدف مجموعات المقاومة في العراق ولبنان.
ومع ذلك، تضاءلت مواطئ قدم الاحتلال الأميركي ووكلائه في الشرق الأوسط بشكل كبير في السنوات الأخيرة وهناك استياء بين حلفاء واشنطن. في عام 2006 ، عندما اتخذت إسرائيل قرارها المشؤوم بغزو لبنان مرة أخرى، على أمل تدمير المقاومة اللبنانية، كان هناك 180 ألف جندي أميركي في المنطقة، معظمهم في العراق). بحلول منتصف عام 2020 ، كان لترامب 5200 جندي في العراق. وأراد البنتاغون تخفيض هذا الرقم إلى النصف، علاوة على ذلك ، بعد الضربات الإيرانية على القاعدة الجوية الأميركية في العراق، كان حلفاء الولايات المتحدة يتخلون عن التحالف الذي تقوده في العراق، وطالب البرلمان العراقي بانسحاب أميركي كامل.
يمدد قانون قيصر العقوبات الشاملة الحالية التي تفرضها واشنطن على سورية من خلال التهديد بتجميد أصول الأطراف الثلاثة التي تتعامل مع دمشق، قبل ذلك، كانت واشنطن تعتمد على (التهديدات الشفوية والتحذيرات الخاصة لثني الحكومات في أوروبا والخليج عن إعادة الانخراط السياسي مع دمشق) أو الاستثمار في سورية، ولكن إلى متى يمكن لهذه التهديدات أن تبقي حلفاء الولايات المتحدة في صفها؟
قالت وزارة الخارجية السورية إن الولايات المتحدة (تمارس الإرهاب الاقتصادي) ضد سورية وحملت واشنطن (مسؤولية معاناة السوريين وتأثير العقوبات على سبل عيشهم، وعلى الرغم مما يقرب من عقد من الحرب والعقوبات، تبقي دمشق على الدعم الذي تقدمه للغذاء والمدارس الحكومية المجانية ونظام الصحة العامة المجاني.
واشنطن ليست قلقة من تأثير الإجراءات القسرية على الشعب السوري، لأن الحرمان والمعاناة هما بالضبط ما تقصده، لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل في فرض إجراءات قسرية من جانب واحد على دول مستقلة، تهدف إلى إلحاق الضرر بسكان بكاملهم على أمل إثارة القلاقل السياسية، فيما يتعلق بقانون قيصر، اعترف المبعوث الأميركي جيمس جيفري بأن الانخفاض الأخير في قيمة الليرة السورية كان (بسبب إجراءاتنا) ، مهدداً الحكومة السورية بالحصار المستمر إذا لم تقطع علاقاتها مع إيران والمقاومة اللبنانية، لكن هذه العلاقات هي بالضبط ما منع سورية من أن تصبح ليبيا أخرى.
يمكن للولايات المتحدة إلحاق ضرر اقتصادي كبير بالدول مثل سورية، على المدى القصير، مخالفة القانون الدولي ومستخدمة اللغة المزدوجة الشهيرة (لمساعدة) نفس الأشخاص الذين تستهدفهم بعقوباتها، وقد فرض ذلك بالفعل عبئاً كبيراً على شعب سورية ولبنان.
لكن آفاق واشنطن على المدى المتوسط لا تبدو جيدة، فهي تواجه تعاوناً متزايداً بين دول وشعوب المنطقة المستقلة (إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين) وأيضاً عبر التعاون القاري، كما يتضح من مساعدة إيران الأخيرة بمد فنزويلا بناقلات النفط.
علاوة على ذلك، عمقت روسيا والصين دورهما في الشرق الأوسط ، في أعقاب التدخلات الأميركية المتعددة التي لا تحظى بشعبية، و يبدو التعاون العسكري الصيني والروسي مع إيران ضرورياً بشكل متزايد لكسر دائرة الحرب التي لا نهاية لها . وسيتضمن هذا في النهاية بعداً أكبر من الدولار الأميركي وبعض البدائل لنظام سويفت (التحويل المالي) الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ليس لدى الأوروبيين حتى الآن استقلال كافٍ للانفصال عن (شريكهم) الأطلسي ، لكنهم قد يستفيدون جداً من المبادرات التي تقودها روسيا أو الصين والتي تنجح في تقويض الاحتكارات المالية الأميركية.
عن ليدرز نيوز الهندية