ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتشديد العقوبات على سورية عبر ما سماه “قانون قيصر” وادعى أن الهدف منه هو “حماية المدنيين السوريين”، والحقيقة هي أن هذا (القانون) الجديد يفرض عقوبات أكثر خطورة، فهي تحاصر قدرة السوريين في الحصول على الطاقة والغذاء والأدوية وبالتالي تشديد الحصار على الشعب السوري ومحاربته في لقمة عيشه.
كما تأتي هذه الخطوة في ظل ظروف متعددة حيث:
١-يواجه الوجود العسكري الأمريكي المحدود هجمات من المقاومة الشعبية في كل من سورية والعراق.
٢- يتخلى حلفاء واشنطن عن “التحالف” الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.
٣-يقلّص ترامب حلفاءه المحليين في لبنان والعراق، من خلال التهديدات والاضطرابات الاقتصادية.
٤-ساعد الدعم الأمريكي المفتوح لمزيد من الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في فضح صورة الفصل والتمييز العنصري الإسرائيلي في العالم.
٥- لدى الدول الأوروبية توترات خطيرة مع واشنطن بشأن الحروب الاقتصادية على إيران وروسيا والصين.
أخيرا.:٦-يعيد حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والكويت، إقامة علاقاتهم مع دمشق.
في ظل هذه الظروف يبدو الحصار المفروض على سورية إجراءً يائساً، وهو إشارة إلى الفشل الأمريكي الذي بدأ يلوح في الأفق.
إن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي بدأه بوش وطوره أوباما وورثه ترامب يبدو في حالة سيئة للغاية، فقد تحدث ترامب في البداية عن انسحاب براغماتي من سورية ولكنه منذ توليه السلطة لم ينجح إلا في الغوص في سلسلة من التدخلات الفاشلة المتعددة في المنطقة، في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وإيران واليمن.
لكن بما أن سورية كانت تحت حصار شديد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من ثماني سنوات، يجب أن نطرح السؤال التالي: -ما هو الهدف من الإجراءات الجديدة؟. والجواب على ذلك يكمن في الرغبة بفرض حرب اقتصادية موسعة على المنطقة بأسرها، بالإضافة إلى خوف واشنطن من قيام بعض حلفائها بإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق.
فهل هذا هو “اللهاث الأخير” لمقامرات واشنطن بشأن “الشرق الأوسط الجديد” الفاشلة؟ إذ إن التصعيد أثناء الخسارة يشير إلى اليأس والفشل.
يمنح “قيصر” الرئيس الأمريكي سلطة عالمية لفرض غرامات ومصادرة أصول أولئك الذين “يدعمون أو يشاركون في صفقات كبيرة” مع الحكومة السورية في أي مكان في العالم، ويعد هذا جزءاً من قانون شامل يسمى قانون “تفويض الدفاع الوطني” والذي لا علاقة له باسمه، سواء فيما يتعلق ب “الدفاع” أو “الحماية”.
في الحقيقة لا يشكّل قانون قيصر ضغطاً إضافياً كبيراً على حلفاء سورية مثل روسيا وإيران والصين وفنزويلا وكوبا، فهم أيضاً يواجهون عدواناً اقتصادياً مشابهاً، إلا أنه يركز على حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والخليج ودول أوروبية عديدة، الذين أعربوا عن عدم رضاهم عن الحروب والتهديدات والتدخلات الأمريكية المستمرة، فقاموا بإرسال ممثلين لمناقشة تجديد العلاقات مع دمشق، وفي الوقت نفسه أعادت الكويت والإمارات العربية المتحدة فتح سفارتيهما في دمشق وتستثمران في مشاريع إعادة الإعمار .
أثناء ذلك قامت الولايات المتحدة بمنع وكالات الأمم المتحدة من تمويل مشاريع إعادة الإعمار في سورية، ومثال ذلك منع مساعدة اليونسكو لإعادة إعمار مدينتي التراث العالمي في حلب وتدمر، الأمر الذي يتناقض بشكل حاد مع تمويل اليونسكو لمشاريع إعادة الإعمار في الموصل.
كما لاحظت منظمة الصحة العالمية منذ عام 2017 أن العقوبات الأمريكية والأوروبية أضرت بوصول الأدوية الأساسية إلى السوريين، كأدوية الأطفال المصابين بالسرطان، وقد أصدر مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريراً في 2018 جاء فيه: “قبل الأزمة الحالية كانت سورية تتمتع بأعلى مستويات الرعاية الصحية في المنطقة، إلا أن سنوات الأزمة خلفت أثاراً سلبية أثرت بشكل كبير على النظام الصحي، وخلقت مستويات عالية للغاية من الحاجة. كما أن الإجراءات التقييدية، وخاصة تلك المتعلقة بالنظام المصرفي أضرت بقدرة سورية على شراء الأدوية والمعدات وقطع الغيار والبرامج وما إلى ذلك من المواد الضرورية، وعلى الرغم من وجود استثناءات نظرية إلا أن الشركات الخاصة الدولية غير راغبة عملياً في تجاوز العقبات اللازمة لضمان قدرتها على التعامل مع سورية”.
إن نظام ترامب الذي تعاني بلاده من التفشي السريع لوباء كوفيد-19 والذي تسبب بوفاة أكثر من 120.000 شخصاً في الولايات المتحدة وحدها، بالإضافة إلى أن معظم المدن الأمريكية تشهد مظاهرات واحتجاجات كبيرة بعد أحدث سلسلة من جرائم القتل على يد الشرطة العنصرية، اختار هذه المرة قانون “قيصر” وذلك ليضيف إلى معاناة الشعب السوري ومحاربته في لقمة عيشه بالإضافة إلى منع الدول الأخرى من تقديم مساعدات للحكومة السورية في الاحتياجات الضرورية أو في إعادة الإعمار بعد الحرب.
وحسب وزارة الخارجية السورية فإن الولايات المتحدة “تمارس الإرهاب الاقتصادي” ضد سورية، كما أنها حمّلت واشنطن مسؤولية معاناة السوريين وتأثير العقوبات على سبل عيشهم، فعلى الرغم من ما يقرب من عقد من الحرب والعقوبات ، فلا تزال دمشق تحافظ على الدعم للغذاء والمدارس العامة المجانية ونظام الصحة العامة المجاني.
وكعادتها مع فرض الإجراءات القسرية الأمريكية أحادية الجانب ضد الدول الأخرى مثل كوبا وإيران وفنزويلا، فإن رد الولايات المتحدة الكاذب على انتقادات تدابير الحصار يكون عادة أن هناك “استثناءات إنسانية” في قوانينها.
يمكن للولايات المتحدة على المدى القصير إلحاق ضرر اقتصادي كبير بالدول، مخالفة بذلك القانون الدولي فهي دائماُ تلجأ إلى استخدام اللغة المزدوجة الشهيرة “المساعدة” مع نفس الجهات التي تهاجمهما وتحاربها، وقد فرض هذا بالفعل عبئاً كبيراً على الشعبين السوري واللبناني.
لكن يبدو أن آفاق واشنطن على المدى المتوسط لا تبدو جيدة، فهي تواجه تعاوناً متزايداً بين دول وشعوب المنطقة المستقلة، إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين، وتواجه أيضاً التعاون عبر القارات، كما اتضح مؤخراً من خلال المساعدات الإيرانية لناقلات النفط إلى فنزويلا.
إن واشنطن ليست قلقة من تأثير الإجراءات القسرية على الشعب السوري لأن الحرمان والمعاناة هما بالضبط ما تريده لهذا الشعب، كما أن الولايات المتحدة تملك تاريخاً طويلاً في فرض إجراءات قسرية من جانب واحد على دول مستقلة تهدف إلى إلحاق الضرر بشعوب تلك البلدان بأكملها على أمل إثارة الاضطرابات السياسية.
ففيما يتعلق بقانون قيصر اعترف المبعوث الأمريكي جيمس جيفري بأن الانخفاض الأخير في الليرة السورية كان “بسبب إجراءاتنا” أي إجراءات واشنطن، كما يهدد الحكومة السورية بالحصار المستمر إذا لم تقطع علاقاتها مع إيران والمقاومة اللبنانية، وهذا التحالف من أسباب صمود سورية.
علاوة على ذلك عمقت روسيا والصين دورهما في الشرق الأوسط، في أعقاب التدخلات الأمريكية المتعددة التي لا تحظى بشعبية في العالم ككل، ويشمل ذلك التعاون العسكري الصيني والروسي مع إيران، وبناء هيكل مالي جديد بقيادة الصين، والذي يبدو ضرورياً بشكل متزايد لكسر دائرة الحرب التي لا نهاية لها، وسيتضمن هذا في النهاية ابتعاداً أكبر عن التعامل بالدولار الأمريكي وإيجاد بدائل أخرى لنظام التحويل المالي، سويفت، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
إن الأوروبيين ليس لديهم حتى الآن استقلالاً كافياً يمكّنهم من الانفصال عن “شريكهم” الأطلسي، لكنهم قد يستفيدون بشكل جيد من المبادرات التي تقودها روسيا أو الصين والتي يمكنها أن تنجح في تقويض الاحتكارات المالية الأمريكية.
بقلم تيم أندرسون
المصدر American Herald Tribune