ثورة أون لاين-يمن سليمان عباس:
لم يكن مخطئا من قال ذات يوم : لكل إنسان،وطنان،حيث ولد، والوطن الأول،هو سورية، طبعا سورية الوطن الحضاري والثقافي والفكري، والعطاء الذي لن نمل من تكرار القول : إنه أعطى العالم اللون والحرف والزراعة والصناعة، وجاب آفاق البحار ناشرا التجارة والثقافة والفكر حيث حل، معلنا البحر الأبيض المتوسط بحر سوريا بامتياز ، وبحر تثاقف وتفاعل، لا بحر حروب ونزاعات .
على أرض العشرة آلاف عام من الحضارة تتكشف كل يوم معطيات حضارية ،وتبدو الآثار القديمة حية شامخة ، نقف اليوم عند ما يقدمه كتاب : شمأل ،مملكة آرامية سورية قديمة لمؤلفه الدكتور عباس مرهج فرج ،وهو إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق عام 2020م
يقول المؤلف : تعد مملكة شمأل الواقعة في أقصى شمال غربي سورية على السفوح الشرقية لجبال الأمانوس من أهم الممالك الآرامية التي كانت في النصف الأول من الالف الأول قبل الميلاد .
وقد توالى على حكمها عدد من الملوك الآراميين الذين خلفوا لنا كتابات تشهد على أعمالهم وانجازاتهم وقد شهدت هذه المملكة نهضة اقتصادية وعمرانية واستقرارا اجتماعيا ،نجم عن تحقيق العدالة بين طبقات المجتمع المختلفة .
واشتهرت شمأل كغيرها من الممالك المجاورة لها بعبادة كثير من الآلهة. وسادت فيها طقوس عبادة الأسلاف وتقديم الولائم الجنائزية للملوك المتوفين ،ولعل أهم ما يميز هذه المملكة أنه ألفت مزيجا من الثقافات الآرامية والفينقية والآشورية واللوفية ،تجلت آثاره في عدة مجالات بشقيها العمارة والنحت
الفنون في شمأل
من الفصول المهمة في الكتاب، ما جاء تحت عنوان : الفنون في شمأل (العمارة والنحت ) يرى الباحث مؤلف الكتاب أن الفنون ازدهرت في النصف الأول من الألف الاول قبل الميلاد في ممالك شمال سورية، ولاسيما شمأل ، وقد تميزت هذه المملكة بغناها بالاعمال الفنية وبالقصور المزينة بأجمل اللوحات المنقوشة وببواباتها المحاطة بالمنحوتات المناسبة ، إذ أبدع الفنانون في تقديم أعمال فنية حاكت واقع المملكة .
العمارة ، هي فن بناءالأبنية متعددة النشاطات بوابات : الجنوبية والغربية ، والبوابة الشمالية الشرقية ،وتبعد هذه البوابات عن بعضها مسافة منتظمة ، وتعد الجنوبية الرئيسة فيها و والمميزة معماريا وزخرفيا بين البوابات الاخرى ،إذ تتكون من بناءين منفصلين متقابلين بجدارين متوازيين لهما وظائف دفاعية غير متصلين معماريا ، وهي مزودة بأبراج مختلفة من حيث الحجم وقد زينت بمنحوتات حجرية ضخمة وحصنت جيدا ،وقد بينت التنقيبات والدراسات الأثرية أن مدينة شمأل قد بنيت على أنقاض مدينة أقدم وأحيطت بسور دائري مزدوج متحد المركز يتاروح طول قطره ما بين 720 – 800 م وطوله 2200م , وقد بني من الحجارة الكبيرة والصغيرة ويفصل بين الجدارين اللذين يكونان سور المملكة فراغ عرضه 7 امتار .
تتوسط المدينة العليا المملكة وتصل اليها عبر شارع مرصوف بالحجارة يمر عبر المدينة السفلى مباشرة من البوابة ، وتضم المدينة العليا أبنية سكنية وادارية وتحصينات ، لكن لم تكتشف فيها اي أبنية دينية ،وقد أقيمت هذه الابنية والتحصينات خلال مراحل زمنية متتالية .
يقع الكتاب في 400 صفحة من القطع الكبير،ومزود بالصور والمخططات، ويقدم قراءات مهمة في الحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة والنقوش الكثيرة التي تم اكتشافها ، وكذلك الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية للملكة شمأل ، وثمة فصل يتحدث عن فن النحت في المملكة أيضا.