ثورة أون لاين- ترجمة – ليندا سكوتي:
في شهر كانون الثاني كشفت إدارة ترامب رسمياً عن” صفقة القرن” لحل الصراع العربي – الإسرائيلي- ولوحظ عدم حضور الفلسطينيين في المشهد برمته، إذ لم يتلقَ أحدٌ منهم حتى الدعوة لحضور المؤتمر الصحفي الذي عقده البيت الأبيض، كما أنه لم يعتلِ المنصة سوى الرئيس ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اللذان أبديا سروراً بالغاً بمحتويات وثيقة تتألف من 181 صفحة مدعين أنها تمثل خارطة طريق لحل الدولتين، لكنها، في الواقع، لم تكن إلا “وثيقة استسلام” ذلك لأنها تنكر حقوق الشعب الفلسطيني على حين تقرّ بالادعاءات الإسرائيلية فيما يتعلق بالمستوطنات غير الشرعية.
ويبدو أن تلك الوثيقة قد أحدثت صدمة لدى العالم بأسره، ولا سيما أوروبا، من جراء دعوة الولايات المتحدة العلنية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
ولا ريب أن هذه الصفقة تتعارض مع الرؤية الأوروبية وتثير شكوكاً حول قدرة الولايات المتحدة على حل القضية، ذلك لأنه على مدى عقود خلت احتكرت الولايات المتحدة عملية حل الصراع في المنطقة مستمدة شرعيتها من ادعائها بدعم الإجماع الدولي لإيجاد حل للدولتين يستند إلى حدود عام 1967. وفي الحين الذي دأبت فيه الولايات المتحدة على التشدق “بسلام عادل ودائم مبني على رؤية الدولتين”، تراجع دور أوروبا فيما يتعلق بإيجاد حل للصراع، واكتفت بضخ مليارات اليوروهات على شكل مساعدات مالية إلى الأراضي الفلسطينية على أمل حله، وفي ذات الوقت قلصت المسؤوليات التي دأبت على الالتزام بها.
وضعت صفقة القرن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بموقف حرج، فإما يتعين عليها مراجعة سياستها لتنسجم مع سياسات صاغتها الأروقة الأميركية، أو الإعراب عن اعتراضها على تلك السياسات، وسبق أن حددت الحكومة الإسرائيلية الجديدة –وتحديداً في 1 تموز – بدء تنفيذ الضم، وعندما باتت تلك العملية معلومة للجميع شرع الاتحاد بالتحدث علناً عن فرض العقوبات.
في الفترة التي سبقت 1 تموز، أصدرت البرلمانات في كل من بلجيكا وهولندا وألمانيا قرارات فيما يتعلق بالإجراءات العقابية المترتبة على عملية الضم، وحذر رئيس السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل من “العواقب الوخيمة” التي ستلحق بالعلاقات الأوروبية – الإسرائيلية جراء خطة الضم، علماً أن أوروبا تعد الشريك التجاري الأكبر “لإسرائيل”، إذ بلغت قيمة العمليات التجارية حوالي 36.2 مليار دولار في عام 2017. فالإنذار بفرض عقوبات اقتصادية أشد وطأة من الحديث عن المقاطعة الأكاديمية والدبلوماسية، إلا أنه لا يزال مستوى عقوبات الاتحاد الأوروبي بعيداً عما هو مطلوب منها, إذ أشار تقرير أصدرته وكالة رويترز إلى “افتقار الاستراتيجية الأوروبية للشفافية والوضوح سواء لجهة وقف خطة إسرائيل أم في رد مناسب في حال جرى تنفيذ الضم”.
مضى التاريخ الذي حدده نتنياهو للبدء بعملية الضم وتأجلت هذه الفكرة حالياً، الأمر الذي هدّأ من قلق الاتحاد الأوروبي، ويحدونا الأمل أن تفضي الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر تشرين الثاني إلى إخراج ترامب ومعسكر الضم من السلطة، وإعادة السياسة لأميركية إلى انسجامها السابق مع الإجماع الدولي. ومع ذلك سيستمر احتلال فلسطين، ولن تتوقف عمليات بناء المستوطنات، وستبقى الحياة اليومية بصعوباتها المتزايدة مستمرة داخل المجتمعات الفلسطينية المعزولة والمقطوعة. لكن سيشعر الاتحاد الأوروبي بالراحة والطمأنينة من جراء تيقنه بالتزام الولايات المتحدة بحل الدولتين ومواصلة العمل على تحقيقه.
لذلك، في حال اعترافنا بعجز أوروبا، فما الذي تستطيع دول الاتحاد الأوروبي فعله في ضوء هذا الواقع؟
تعد الإجابة على هذا التساؤل سهلة وتتمثل بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، قبل حدوث عملية الضم الإسرائيلية. ولن تصنع دول الاتحاد التاريخ بل إنها ستنضم إلى أغلبية دول العالم بما فيها السويد، التي تعد أول عضو في الاتحاد الأوروبي يعترف بفلسطين.
في كانون الأول عام 2019، أرسل وزير خارجية لوكسمبورغ جين أسيلبورن رسالة خطية إلى بوريل مشيراً بصريح العبارة إلى أن الوقت قد حان للاعتراف بدولة فلسطينية. وناقش بأن ذلك التحرك “لن يكون أمراً عظيم الشأن، بل مجرد اعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولته، كما أنه ليس موجهاً ضد إسرائيل بأي شكل من الأشكال”.
يعد الاعتراف قضية ثنائية بين دولة ودولة أخرى ولا يحتاج لموافقة أو إجماع على المستوى الفيدرالي. ويوفر الاعتراف بالدولة الفلسطينية للاتحاد الأوروبي فرصة لتأكيد التزامه بحل الدولتين كإجراء وحيد قابل للتطبيق، إلى جانب رفض خطط الضم الإسرائيلية والتأكيد على الالتزام بالقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي ورفض تنفيذ “شريعة الغاب” واستمرار الاحتلال العسكري.
لا يشكل الاعتراف بفلسطين قضية جدلية على غرار العقوبات التي تعد الوسيلة اللازمة لإعادة “إسرائيل” إلى الالتزام بالقانون الدولي. ويمكن تمرير الإقرار الثنائي بهما والتصديق عليه من جانب برلمانات الدول، وعلى الأرض، فلن نشهد أي تغير، إذ سيتواصل الاحتلال بعد يوم من الاعتراف، لكن اللعبة ستتغير دراماتيكياً من الناحية القانونية.
ولا ريب أن الاتحاد الأوروبي سينظر إلى محاولات الضم الإسرائيلية المستقبلية بعد الاعتراف بدولة فلسطين على أنها احتلال لدولة أخرى بالقوة، وعلى الرغم من أنه إجراء متأخر، لكنه على الأقل خطوة في الاتجاه الصحيح.
المصدر: The middle east eye