ثورة أون لاين-منهل إبراهيم:
لن ننسى كيف شنت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية هجوماً لاذعاً على رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عام 2017 واصفةً إياه بأنه “رئيس فاشل”.
وفي افتتاحية عددها حينها ذكرت الصحيفة ضمن هجومها على ترامب أن الولايات المتحدة “لم تشهد سابقاً في قائمة رؤسائها السابقين شخصاً بهذا المستوى”.
إنه “يحاول زرع الانقسام العرقي داخل المجتمع الأمريكي، وخاصة في أعقاب أحداث شارلوتسفيل “.
وفي يومي 11 و12 آب في ذلك العام اندلعت اشتباكات في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأمريكية، بين متظاهرين من “القوميين البيض” ومحتجين مناوئين لهم.
وتابعت الصحيفة في التعليق على الحادثة: “إنه (ترامب) يحاول زرع الانقسام العرقي داخل المجتمع الأمريكي، حتى وصل به الأمر إلى الدفاع عن المتوفين البيض، الأمر الذي أثار شكوكاً عميقة حول بوصلته الأخلاقية وفهمه لالتزامات مكتبه”.
التصرفات العرقية التي يفترض أنها غادرت المجتمع الأمريكي منذ ثلاثينات القرن الماضي، بدت واضحة في الأحداث الأخيرة (شارلوتسفيل)، الأمر الذي استدعى إدانة من قِبل خمسة أعضاء في هيئة الأركان الأمريكية.
أمس ليس بعيد عن اليوم والصورة تكتمل بعد مقتل جورج فلويد بطريقة عنصرية أوخر أيار الماضي.. ترامب يهدد بإرسال مزيد من عناصر أجهزة تطبيق القانون بلباس عسكري، إلى مدن أميركية لإخماد تظاهرات منددة بالعنصرية وأعلن خطته بتوسيع برنامج عملية الأسطورة ليشمل عدة مدن مثل شيكاغو (ثالث أكبر مدينة في البلاد والتي تشهد تصاعداً في العنف) وألبوكيرك ونيو مكسيكو، في جهد إضافي للتصدي لما اسماه بالعنف، مبررا قراره بتصاعد القتل والجرائم العنيفة على حد تعبيره.
سياسات الرئيس الأميركي وقراراته الداخلية والخارجية تكاد تكون ارتجالية يحددها مزاجه الفوضوي دون دراسة الأبعاد والتبعات التي دائما ما تنعكس على إجراءاته ودساتيره وقراراته الوردية تنديدا ومقتا شعبيا وحتى دولي.
فقد واجه مخططه تجاه شعبه تنديدا على مستوى الولايات الفيدرالية ومن قبل أوساط أميركية لأن من شأنه مفاقمة الأوضاع ويجر الجيش للتدخل في مواجهة الاحتجاجات المطلبية.
ففي الوقت الذي ينتهج فيه الرئيس الأميركي سياسة مثيرة للجدل إزاء جائحة كورونا تراه يشدد من هجماته ومواقفه ضد أبناء شعبه الذين يواصلون الانتفاض بوجه العنصرية والعنف في الولايات المتحدة.
كي تتضح الصورة، يدعي الرئيس الأميركي أن قراراته تأتي كجهد إضافي لمواجهة ما اسماه بالعنف، مبررا قراره بتصاعد القتل والجرائم العنيفة على حد وصفه، والحقيقة انه في مواجهة تنديد جماهيري واسع لسياسته العنصرية بل سياسة النظام الفيدرالي العنصري برمته.
ففي ولاية بورتلاند يشاهد المراقب دون عناء الصورة نفسها منذ مقتل جورج فلويد أوخر أيار على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا.. متظاهرون غاضبون ضد ممارسات الشرطة بينما الأخيرة تستمر في قمعهم بوحشية، فيما يهدد ترامب بإرسال مزيد من عناصر أجهزة القمع ضمن سياسة كم الأفواه لإرغام المحتجين على السكوت والخضوع للأمر العنصري الواقع من اجل أمنياته في عودة “النظام” العودة التي اعتبرها أحد شعاراته للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني.
السلطات المحلية في الولايات الفيدرالية اشتكت من التدخل الاتحادي واعتبرته تدخلا غير مسؤول وبعيدا عن الدستور الأميركي، وذلك ما أكده رؤساء بلديات ستّ مدن رئيسة هي (أتلانتا وواشنطن وسياتل وشيكاغو وبورتلاند وكانساس سيتي) في رسالة إلى وزير العدل الأميركي وليام بار ووزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف، أكدوا خلالها إنّ عمليات نشر القوات الفيدرالية بدون دعوة تعتبر انتهاكا دستوريا.
رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو ندد بتهديد ترامب بإرسال قوات فدرالية إلى العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة، قائلا “أنه إذا نفذ ترامب تهديده، فذلك لن يؤدّي سوى إلى زيادة المشاكل” و”سنقاضيه على الفور لوقف هذا الأمر”، و”سيكون ذلك مثالاً جديدا على الإجراءات غير القانونية وغير الدستورية التي يتخذها الرئيس”.
جاء ذلك في وقت أشارت فيه رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى أن ترامب سوف يخسر الإنتخابات ويغادر البيت الأبيض سواء كان يدرك ذلك أم لا!، وان “الناخبين، وكذلك الدستور، سيؤديان إلى مغادرة ترامب للمنصب في كانون الثاني المقبل، بغض النظر عما يقبله في ذهنه، أو ما إذا كان يرفض الخروج من البيت الأبيض، سواء كان يعرف ذلك أم لا، فسيغادر”.
تصريح علني واثق الدلالات والاعتبارات لبيلوسي وبمثابة تحد صارخ لترامب بأن أوراقه لدخول دورة رئاسة جديدة إلى البيت الأبيض قد احترقت. مشيرة إلى انه لا مفر من مغادرة البيت الأبيض وانه “لمجرد عدم رغبته في الخروج منه لا يعني أننا لن يكون لدينا حفل تنصيب لتولي رئيس منتخب للولايات المتحدة”.
عبارات نارية اختزلت توجهات وطموحات شعب بأكمله إلّا القليل من مؤيديه وممن كان على شاكلته (ممن غمسوا رؤوسهم في وحل العنصرية والمادية والأنانية.
هناك من المراقبين من اعتبر خطوة ترامب التصعيدية هذه ضرورة أمنية فيما ربطها منتقدون آخرون بالانتخابات المرتقبة، وفي رأينا أنها في كل الأحوال خطوة فاشلة وبجدارة في التدخل المباشر والتعمد في استفزاز ولايات غالبا ما يسيطر عليها ديمقراطيون إلى جانب سوء إدارته في التعاطي مع جائحة كورونا إلى جانب تواصل التظاهرات الشعبية المنددة بالعنصرية والعنف في المجتمع الأميركي.
انه الرئيس الفاشل بجدارة في كل سياساته الداخلية والخارجية.. على حد سواء.