رغم أننا أصبحنا في زمن الكتابة والقراءة الإلكترونية بامتياز، ورغم أن الذي لم يكن يقرأ مقالة في حياته، جعله الفيس بوك يقرأ ويناقش، ويدخل في دائرة الجدل والحوار، ويتصفح المنشورات الرقمية، على امتداد ساعات النهار والليل، في أحيان كثيرة، لانزال نقرأ ونسمع العبارات الجاهزة والمستهلكة والبائدة، والتي يقول أصحابها إن الإنسان العربي لا يقرأ .. ومن هذا المنطلق نتأكد أننا لا نجيد سوى النقد والشكوى، ولا نريد أن نرى سوى النصف الفارغ من الكأس، دون القدرة على قراءة الواقع بطريقة صحيحة وموضوعية وجديدة، والمساهمة بوضع الحلول، والخروج من مأزق حياتنا وأزماتنا الوجودية المتفاقمة، فلو أننا نعمل أو نسلط الضوء على الإيجابيات، بقدر ما ننتقد، لكانت الصورة الحياتية الراهنة، أقل قتامة، وبالتالي كنا أكثر قدرة على التفاؤل، والخروج من خيوط شرنقة الواقع الرمادي. لكن السؤال الكبير يبقى قائماً ومفاده: ماذا يقرأ هؤلاء؟.
فمن المعروف أن المنشورات الفيسبوكية المعمقة والجادة، هي الأقل استقطاباً على صفحات التواصل، وهذه الحقيقة تؤكد مدى سطحية هذا الجمهور. ومن جهة أخرى معاكسة لا نستطيع تجاهل نسبة كبيرة من الفنانين والأدباء والإعلاميين الذين ينتمون لعصر الفيس بوك ويتواصلون من خلاله. إلا أن جمهور النخبة غالباً ما يقع أيضاً في منزلقات المتابعات السطحية غير الجادة، وغير المعمقة، فتراه (مثل الجمهور العادي) يعجب ويعقب على صورة شخصية أو منشور تافه، ويتجاهل المنشورات والفيديوهات النادرة لكبار نجوم الفن والأدب والإعلام . وحين ننشر فيديو نادر بالصوت والصورة لطه حسين أو توفيق الحكيم أو عباس محمود العقاد أو نجيب محفوظ أو سواهم ، تكون النتيجة مخيبة وصادمة، ونتساءل أين هو جمهور النخبة؟.
ونصل إلى أقصى درجات الخيبة والمرارة والسواد، حين نجد منشوراً طائفياً لفيصل القاسم (صاحب برنامج الاتجاه المعاكس) يحوز على أكثر من عشرة آلاف لايك وتعقيب، ويكون في حسابنا أن الذين يتعاطفون مع منشورات متخلفة كهذه، هم أصحاب الفكر الرجعي المتطرف، وقد يكونون مساهمين في القتل والتدمير والتهجير، ويحاربون فكر ابن رشد، الذي يعتبر: أن أكبر عدو للدين، جاهل يكفر الناس.
رؤية ـ أديب مخزوم