تعيش أذرع الدولة العميقة في الولايات المتحدة حالة لا مثيل لها من التخبط السياسي تجاه القضايا الدولية ويتبدى ذلك في بعض التصرفات التي تعكس الهلع الأميركي من فقدان أدوات ووسائل الحفاظ على صفة الدولة القائدة للعالم.
إن لجوء وزارة الدفاع الأميركية إلى اعتراض طائرة مدنية إيرانية في الأجواء السورية بحجة التأكد من هويتها لا يمكن أن ينطلي على الجاهل بواقع التواجد الأميركي في المنطقة، فكيف بالعارف بإمكانيات الرادارات الأميركية القادرة على رصد حركة الطيران بشتى أنواعه العسكري والمدني والمسير من الأطلسي إلى الهادي.
لا شك أن اعتراض طائرة أميركية لطائرة مدنية إيرانية هو جزء من الحالات المماثلة عن التصرفات العدوانية اليائسة لمحور الإرهاب على الأرض وفي الجو والبحر لمنع تراجع و انهيار مشروعه العدواني لإعادة ترتيب المنطقة وفقاً للإستراتيجية الأميركية – الغربية والذي من ضمنه تكتيكياً تحويل وجهة العدو بالنسبة للعرب من إسرائيل إلى إيران واستراتيجياً المحافظة على ميزة القيادة الأميركية للعالم وعدم الاعتراف بالتغييرات الجذرية على المستوى الدولي لغير مصلحة الطموح الأميركي.
يحاول صناع القرار في الولايات المتحدة المحافظة على ميزة قيادة العالم أو الإطالة بعمرها قدر الإمكان بخطوات استباقية تبدو غير محسوبة للواقع الدولي وعوامل التأثير المختلفة والمنافسة للقوة الأميركية من الجوانب الاقتصادية والعسكرية وتنعكس هذه الخطوات بتوسيع واشنطن جبهة أعدائها على المستوى الدولي بدءاً مما تسميها حديقتها الخلفية حيث التدخل الأميركي في فنزويلا ومحاولة تغيير حكومتها الشرعية مروراً بأوروبا وحزم العقوبات المتوالية على روسيا الاتحادية والموقف الأميركي المعرقل لخطي غاز “السيل الشمالي والجنوبي” وصولاً إلى آسيا من غربها إلى شرقها والتهديد الأميركي بشن حرب على الصين وتشكيل تحالف دولي ضدها.
إن السياسة الأميركية القائمة على التهديد بشن الحروب وتنحية الخيارات الدبلوماسية تربك العالم و تزيد بشكل كبير من صعوبة الأوضاع الدولية بصورة عامة، حيث لم يعد المجتمع السياسي العالمي يميز بين وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين فكلاهما يتحدثان عن الحروب ويتسابقان في إطلاق التهديدات ذات الطابع العسكري والأمني بدلاً من العمل على حل الخلافات بالوسائل السياسية.
من المعلوم أن الدول الرافضة لهذه السياسة الأميركية لا تقف مكتوفة الأيدي وتعمل وفق أولويات إستراتيجية و لا تنجر إلى ردود الأفعال الجزئية التي تبحث عنها واشنطن لاستغلالها بافتعال أحداث دولية خطيرة تسمح لها بجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة للحفاظ على موقعها القيادي له، وتعبر بسخرية المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونينغ من التهديدات الأميركية لبلادها بالقول “لا يمكن لعصفور دوري صغير أن يفهم طموح بجعة” مدى تحدي “التنين الأصفر” لمحاولات التأثير الأميركي في مجال الصين الحيوي وخاصة بحر الصين الجنوبي.
لقد كان مستغرباً امتداح الرئيس الأميركي لنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية على بلاده في إطار التعليق عن التوتر بين واشنطن وبكين ولكن فحوى رسالة هذا الامتداح واضحة لجهة ما يتم تداوله للحفاظ على موقع الريادة الأميركية ومن ضمنه إعلان وزير الدفاع الأميركي عن تحضيرات بلاده لحرب مع الصين مضافاً إليها دعوة وزير الخارجية الأميركي روسيا الانضمام إلى تحالف دولي ضد بكين.
إن السياسة الصينية تتسم بالرصانة والهدوء وتغليب خيار الحوار على نقيضه، ولكن اليوم ومع التحركات الأميركية في بحر الصين الجنوبي وإعلان واشنطن التحضير لحرب مع بكين وتحميلها مسؤولية تفشي وباء كورونا يستدعي رداً قوياً وصارماً من بكين والقوى الدولية الفاعلة الأخرى واقتفاء الموقف الروسي الذي كان سريعاً حاسماً في رفض دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لموسكو بالانضمام لتحالف دولي ضد بكين واعتبارها محاولة ساذجة لتعقيد الشراكة الروسية الصينية ودق الإسفين في العلاقات الودية بين البلدين.
معاً على الطريق- أحمد ضوا