الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لطالما استغل رأس النظام التركي رجب أردوغان القضية الفلسطينية واستثمر فيها من أجل كسب شعبية داخلية وخارجية وتحقيق نفوذ و”زعامة” محلية وإقليمية، مستفيداً من التيارات الإسلاموية التي ترفع لواء هذه القضية وتطالب “بتحرير” فلسطين “شعاراتياً”، مع أن هذه التيارات أساءت كثيراً للقضية الفلسطينية وساهمت بتهميشها بسبب سلوكياتها المسيئة للإسلام من جهة، ومعاركها المجانية مع تيارات أخرى تدعم هذه القضية، بالإضافة إلى عمالة قيادات ومتزعمي هذه التيارات للنظام الأميركي وعلاقاتها الخفية مع الكيان الصهيوني والغرب الداعم لهذا الكيان، حيث يتصدر “الأخوان المسلمون” قائمة التيارات المشبوهة في تعاطيها مع الغرب وهي منتج بريطاني.
يحاول رأس النظام التركي الذي يضطلع بدور تخريبي على مستوى المنطقة أن يصور ما قام به مؤخراً (تحويل متحف أو كنيسة آيا صوفيا التاريخية في اسطنبول إلى مسجد) وهو عمل خطير ويتنافى مع قيم العلمانية التي تدعيها تركيا، بأنه فتح جديد للمسلمين في إطار صراعهم مع الغرب الاستعماري “المسيحي” الذي يستهدفهم من وجهة نظره، وكان اللافت قيامه بهذا العمل الاستفزازي بعد أسابيع قليلة من زيارته لمتحف آياصوفيا وهو يقرأ سورة الفتح متعمداً أن تكون زيارته لها في الذكرى 567 “لفتح” والأصح احتلال اسطنبول، كما لو أنه يذكر المسلمين بالسلطان العثماني الملقب ب “محمد الفاتح” في محاولة منه لتقمص شخصية “السلطان” الفاتح مجدداً، وإعادة الصراع بين الغرب المسيحي والشرق المسلم إلى نقطة البداية.
بعض السذج في العالم الإسلامي ابتهجوا للخطوة الاستفزازية التي قام بها أردوغان تجاه كنيسة آيا صوفيا، واعتبروها “نصرا” للمسلمين في إطار الصراع الدائر بينهما، وقد وثقت إحدى القنوات التلفزيونية العميلة لأميركا والكيان الصهيوني و”الإخوان المسلمين” في وقت واحد “قناة الجزيرة القطرية” حدث صلاة الجمعة في كنيسة آياصوفيا محصية عدد المصلين ب /350/ ألف مصلٍ، وكأنها أرادت أن تقول لمتابعيها “انظروا إلى هذا النصر التاريخي الذي تحقق على يد أردوغان”، ولكن غاب عن بال القائمين على هذه القناة والكثير من المعجبين بها أن ما قام به أردوغان سيكون له انعكاس في غاية السلبية على القضية الفلسطينية وخاصة قضية المسجد الأقصى المستهدف بالهدم من قبل الصهاينة بحجة بناء الهيكل، وربما تقصدوا ذلك، بحكم العلاقات المشبوهة بين الطرفين، أي بين أصحاب القناة ومموليها والكيان الصهيوني، حيث لايغيب عن بال أحد العلاقة الوطيدة بين مشيخة قطر والكيان الصهيوني.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف ستنعكس قضية “آيا صوفيا” على قضية المسجد الأقصى وكيف سيستثمرها الكيان الصهيوني لصالح أطماعه وأجنداته ومخططاته لتهويد القدس..؟!
كان لافتاً ردة الفعل الباردة من قبل المجتمع الغربي “المسيحي” تجاه خطوة أردوغان الاستفزازية التي تعد نكأ لجراح قديمة وإيقاظاً لصراعات دينية وتاريخية “تصريحات من هنا وهناك تصنف تحت عنوان رفع العتب” وكأن المجتمع الغربي أراد أن يوجه رسالة واضحة ومشجعة للكيان الصهيوني كي يسير على نهج أردوغان، أي هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم أو تحويله إلى كنيس يهودي كما يرغب المتطرفون الصهاينة، ولا مبرر لأي ردة فعل يقوم بها المسلمون أو الفلسطينيون أصحاب القضية تجاه الخطوة، لأن العالم الغربي تفهم قضية “آيا صوفيا” ولم يثر أي مشكلات مع نظام أردوغان الذي لن يكون لموقفه تجاه أي موبقة يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الأقصى أي قيمة لأنه ارتكب ما يشبهها بحق المسيحيين.
وبذلك يكون أردوغان قد قدم للكيان الصهيوني خدمة ربما كان يتأملها أو كان ينتظرها، لاسيما وأن العلاقات بين نظام أردوغان والكيان الصهيوني لم تنقطع حتى في أوج حملات الدعم الأردوغانية الكاذبة لقطاع غزة، ومن يقيم الخطوات العدائية التي قام بها نظام أردوغان ضد سورية والعراق وصولاً إلى ليبيا لا بد له أن يكتشف كم كانت سياسة أردوغان تصب في مصلحة العدو الصهيوني، وأطماعه التوسعية والعدوانية، ومن المؤسف أن التيار الإسلاموي “الإخواني” الذي يدعي الدفاع عن قضية فلسطين لايريد أن يرى هذه الحقيقة الواضحة، وهو مصر على المضي في جهله وتعنته وعمالته حتى نهاية الشوط، كما هو حاله مع أميركا التي تستخدمه وتستثمر فيه ثم تخذله باستمرار.