لم تعتد الأغلبية من السوريين على تلك الصورة الباهتة، فقد مر بين أحيائهم على استحياء، لم تكن ألوان العيد زاهية في المظهر العام، بل كانت متواضعة إلى حدودها الدنيا، تلاشت فيها صيحات الفرح من بين أسارير الطفولة، فلا قدرة للتباهي بثياب جديدة عند الكثيرين، ولا طاقة للأسرة بشكل عام أن تعيد لأطباق الحلوى نكهتها وكميتها التي كانت تتزين بها الموائد وتشبع بمجرد النظر وتمتد لأسابيع.
أعباء ضاغطة على النفوس والجيوب، وصبر حزين يجاري تخمة الواقع المر الذي يعرفه الناس عن ظهر قلب، لم يعد يخجل أحد من قلة الحيلة، أو يشكو الفقر والمرض، أو حتى الاعتذار عن كثير من الأشياء التي لم يكن يسمح بها نفسياً أو مجتمعياً، أو حتى يتجرأ أحد أن يعلنها.
فقد أصبح لايقاع الحياة المستجدة طقوسها المقتضبة من سياحة الترفيه المعنوية والمادية..
هذا الفاقد من يوميات السوريين صغاراً وكباراً عوضه الناس بمحبتهم وتفانيهم في عملهم، وعودتهم إلى تلك الأرض وتلك التربة التي هجرها أصحابها لفترة كافية من الزمن، وقاموا باستصلاح واستثمار ما يمكن من زراعة الأشجار والخضروات وغيرها حسب كل فصل وموسم، لعلها ردة فعل ايجابية أثبتت نجاحها وقدرتها على خلق شيء من التوازن المادي لدخل الأسرة ضمن البيئة المحلية.
فاللافت في هذا الموسم هو اعتماد آلية التسويق المحلي ضمن العديد من القرى والأرياف، فلم يعد الفلاح أو المزارع يتحمل أعباء بيع منتجاته من خضار وفواكه في أسواق المدن ..وإنما اتجه بالاتفاق مع أصحاب البقاليات والدكاكين لعرض بضاعته كل في قريته، وبأسعار مقبولة، ربما ترضي إلى حد كبير أذواق المستهلكين، فمنظر الخضار والفواكه المتنوعة ونضارتها ونكهتها الزكية تدفعك لأن تشتري بسخاء وألا تقف عند هامش بعض الزيادات، لطالما تدرك نظافة ما تأكله وما تمونه.
هذا الواقع خلق حالة من التناغم الايجابي والتوعوي لفكرة التسويق الداخلي ضمن القرية الواحدة، وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، والتخلص من أعباء النقل وسمسرة الحلقة الوسيطة في أسواق الهال.
تجربة ناجحة لحظناها عن قرب، ورصدنا مفاعيلها وانعكاسها بمدى حجم الراحة النفسية عند المستهلكين الذين قدموا الى قراهم في عطلة العيد وغيرها من المناسبات على مدار العام.
فهناك العديد ممن لايملكون أرضاً، ومن كان لديه، ربما ليس لديه القدرة على العمل وتحمل التعب لأن الأرض تحتاج الكثير من الجهد، لكنها تعز المرء وتحفظ كرامته وإنسانيته.
عين المجتمع -غصون سليمان