ثورة أون لاين – دينا الحمد:
من أوروبا إلى آسيا مروراً بإفريقيا وأميركا اللاتينية تشتعل الأزمات والحروب وتنتشر الأوبئة والكوارث، لكن اللافت بالأمر أن أصابع أميركا في معظمها، فلا تكاد تنشب حرب في هذه القارة إلا وتكون أميركا وراءها، ولا تكاد تتفجر أزمة إلا وتكون هي الممسكة بخيوطها، وإن هدأت أزمة هنا فإن واشنطن الأسرع لتأجيجها، وإن انطفأت نار حرب هناك فإن البيت الأبيض الأسرع لتسعير لهيبها ومد أطرافها بالسلاح، ودس استخباراتها أنفها بها لتعقيدها.
ومثل هذا الكلام ليس من بنات أفكارنا، أو رغبة منا لاتهام الولايات المتحدة بما ليس فيها، فهي التي تشعل الحروب في منطقتنا، وهي التي نشرت الفوضى الهدامة في سورية والعراق وليبيا واليمن بعد موجة ما سمي (بالربيع العربي) لتفكيك هذه الدول وتحقيق الأمن الصهيوني ومصالح شركاتها الاحتكارية الجشعة.
ومن راقب ما جرى في العالم من إرهاب وانتشار لتنظيماته المتطرفة في العقد الأخير يدرك أن أميركا هي التي أسست تلك التنظيمات ونشرت الفوضى الهدامة وأسمتها هي نفسها بالفوضى (الخلاقة)، وتم تسريب عشرات آلاف الوثائق التي تؤكد هذا الكلام، لا بل إن مسؤولي أميركا أنفسهم أقروا غير مرة بهذه الحقيقة، ويكفي أن نشير هنا إلى مذكرات هيلاري كلينتون التي اعترفت فيها بأن بلادها هي التي أسست تنظيم داعش المتطرف ونشرت عناصره في سورية والعراق ثم في المنطقة لتحقيق غاياتها الاستعمارية.
اليوم تقوم الولايات المتحدة بهذا الدور التخريبي الهدام على المستوى العالمي برمته، فهي باسم الحفاظ على الأمن الأوروبي المزعوم تحاول تخريب الأمن والاستقرار في مناطق غرب آسيا وشرق أوروبا، وباسم الأمن والسلم الدوليين تثير الأزمات في دول الطوق الروسي، وحين تفشل استخباراتها بتلك المهمة تقوم بافتعال أزمات جديدة مثل نشر ترسانتها النووية في بولندا وفي غيرها لتعقيد المشهد مع روسيا، وجرها إلى حرب باردة جديدة، ثم يعلن وزير حربها مارك إسبر أن بلاده وبولندا اتفقتا خلال مفاوضات على إرسال ألف جندي أميركي إضافي إلى هذه الأخيرة.
وحين تشعر واشنطن أن الموقف الروسي أقوى من مواقفها المهزومة وسياسة موسكو أثبت من سياساتها المأزومة تتجه إدارتها العدوانية بقيادة دونالد ترامب إلى تسريب خبر استعدادها لنشر صواريخ نووية أو غير نووية في شرق أوروبا لتهديد موسكو، وقبل ذلك خبر انسحابها من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى في خطوة عدوانية تقوض بشكل خطير الأمن الإقليمي والعالمي، ناهيك عن إثارتها جولة جديدة وخطيرة من سباق التسلح، مع أنها تدرك جيداً أن روسيا سترد عليها، ولا يمكن لها أن تتجاهل وجود مخاطر صاروخية تهدد أرضها.
وليس هذا فحسب بل تعلن إدارة واشنطن الاستعمارية، التي تثير الأزمات والحروب، عزمها نشر صواريخها أيضاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ونشر أساطيلها على مقربة من بحر الصين لاستفزاز بكين، والتدخل في شؤونها الداخلية، والإكثار من التصريحات حول تايوان للتحرش بالقيادة الصينية واستفزازها، دون أن تعي واشنطن وبنتاغونها واستخباراتها وقيادة بيتها الأبيض وحكومتها الاقتصادية والاستخبارية العميقة أن خطأ حساباتها سيكون له نتائج كارثية ليس على دول العالم فقط بل عليها أولاً وأخيراً.
