الخلود والعدم بين ارتقاء الروح وفناء الجسد

 

الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

لقد شكلت مسألة الخلود والعدم هاجساً دائماً للإنسان منذ أن وجد على الأرض وحتى يوم الناس هذا، وقد كشفت الأبحاث والدراسات في المكتشفات الأثرية في مناطق الحضارات القديمة المدى الكبير الذي حظيت به هذه المسألة، ونالته من اهتمام الملوك والعلماء والكهنة، وهذا ما تجسد بشكل واضح في الميثولوجيات التي أنتجتها تلك الحضارات.
فحلم الخلود راود، وما زال يراود الشعوب القديمة والحديثة، ولم يكن مقصوراً على أمة بعينها، أو حضارة لذاتها، بل دغدغ هذا الحلم مخيلات الشعوب جميعها قديماً، وحديثاً؛ باعتباره هاجس الإنسان الدائم، ومركز اهتمامه في الماضي والحاضر والمستقبل.
ويستعرض كتاب (الخلود والعدم في معتقدات الشعوب والحضارات القديمة)، تأليف: زبير سلطان قدوري، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، عبر فصوله الاثنين والعشرين، أحدث الرؤى والأفكار والأساطير لدى شعوب الحضارات القديمة حول مسألتيّ الخلود والعدم كما وردت في معتقداتها القديمة، اعتماداً على ما توصل إليه علماء التاريخ والأنثربولوجيا من نتائج السبر والتنقيب الأثري، واعتماداً على عشرات الآلاف من النصوص التاريخية، والنصوص المكتوبة والرّقم والألواح الأثرية، التي تضمنت القصص، والأساطير، والملاحم، والتراتيل، والتعاويذ السحرية، والصلوات، ومذابح القرابين والتعميد والأماكن المقدسة، وسُكنى الآلهة والكهنة والعرّافين.

الوجود والعدم عند الإغريق
اعتقد الإغريق القدماء بتعدد الآلهة، وأنهم كالبشر يتزوجون ويتصارعون، ويكونون الأسر، ويعشقون ويسكرون إلى غير ذلك. وقالوا بأن لهم أسرة متأصلة هي (ثيوغونيا)، يرتبطون من خلالها بنسب قرابة يجمعهم، وهم يسكنون على جبل (الأولمب) في السماء، ويجتمعون في مكان يدعى (البانثيون) حيث يتشاورون فيه، ويصدرون منه القرارات التي تتعلق بالوجود الكوني.
وانقسم الإغريق لجهة مصير الإنسان بعد الموت إلى ثلاث فرق؛ فمعظمهم آمن بعالم آخر ينتقل إليه الإنسان بعد موته يسمى (العالم السفلي)، وله إله يُدعى (هاديس) إله الموتى، ويأتي ترتيبه الثالث بين آلهة الأولمب فهو شقيق (زيوس) كبير الآلهة، وشقيق (بوسيدون) إله البحار.
و(هاديس) هذا إله عنيد، وصارم في قراراته، ويتصف بالعزلة، ولديه قانون ثابت يقول “لا عودة لميت إلى الحياة مهما كانت مرتبته، وإن تدخلت كل الآلهة”. وبعد الموت يحقق (هاديس) مع الميت، ويتقصى عن أعماله في الحياة الدنيا، ويقرر إن كان سيذهب مع الأبرار والصالحين، أم سيحشر إلى جانب الأشرار والأشقياء.
فيما رأى عدد قليل من الوثنيين اليونانيين بأن الإنسان بعد موته يفنى ويعدم نهائياً روحاً وجسداً، ولا عودة له إلى الحياة. وذهب الفريق الثالث، وجلّهم كان من علماء وكبار الفلاسفة والحكماء الإغريق، إلى الإيمان بالله عز وجل كخالق وحيد للكون وما عليه، وأن الروح التي خلقها الله عز وجل خالدة؛ ومن هؤلاء كان فلاسفة السقوط، وعلى رأسهم الفيلسوف أفلاطون الذي قال: (إن النفس خالدة، وقد نزلت من عالم الواحد الإلهي إلى سجن الجسد، وما الموت إلا تحرير لها). وسقراط الذي رأى أن العالم قديم قدماً مطلقاً؛ دون تفريق بين قديم بالذات، وقديم بالزمن، وبذا يصبح الله والعالم عنده على مستوى واحد، وقد كتب (بأن الله تبارك وتعالى هو علة لهذا الكل)، وقسّم العلل في كتابه (البرهان) إلى أربعة، هي: صورة، وعنصر، وفاعل، وغاية، وذهب إلى أن النفس هي صورة للجسد، وهما يشكلان ماهية واحدة، وشبههما بوجود الختم على الشمع، يوحدان معاً، ويعدمان معاً، والذي يبقى بعد حادثة الموت ما هي إلا جثة تحمل صفات الجماد.

عند الهنود الحمر
دخل الهنود الحمر إلى الأمريكيتين قبل وصول الأوروبيين بآلاف السنين عن طريق مضيق بهرنغ من شرق آسيا على شكل موجات بشرية على فترات زمنية، ولم يأتوا من مكان واحد، بل من عدة مناطق تقع شرق وشمال آسيا. وقد اعتنى الهنود الحمر بهذه الأرض حين دخلوها، وقدسوها، وطوروا الفنون الزراعية، واكتشفوا أنواعاً من الخضراوات لم يعرفها العالم القديم، فهم أول من زرع البطاطا والبندورة، واستخدم المطاط، وشجرة الكينا من أجل الدواء.
ديانة الأزتيك: كانت قبائل الأزتيك من قبائل الهنود الحمر التي سكنت القارة الأمريكية؛ ويعتقد هؤلاء بأن الكون يمر فقط بخمس دورات زمنية، وألا دورة سادسة له، وأنه قد دُمّر في الدورات الأربع السابقة، والذين قاموا بتدميره، هم: الفهود الضارية، والعواصف، والأعاصير العنيفة، والأمطار النارية، والطوفان العظيم؛ وأن الهزات الأرضية هي من سيدمر الدورة الخامسة التي يعيشون فيها.
كما يعتقدون بأن الشمس ربّ يحارب الظلام، وهي لكي تبقى قوية، تحتاج إلى الدم البشري باستمرار، لذا كان لا بد، في اعتقادهم، من استمرار الحروب من أجل تقديم القرابين البشرية لها من أسرى هذه الحروب.
ويؤمن شعب الأزتيك فيما يتعلق بمصير الإنسان بعد الموت، بحياة أخرى تنتقل إليها أرواح الموتى، وفيها تلاقي الجزاء، حيث يعاقب المسيء، ويثاب الصالح. والجنة هي عند الإله (تلالوك) الذي يفتح أبواب جنته لمن مات غرقاً أو بالصاعقة أو بالجذام أو بداء النقرس أو بالاستسقاء أو بأمراض الرئة لأنه هو الذي سبب موته. كما أن الشمس تصطحب معها إلى السماء عدداً من أرواح الأموات، وهم: المحاربون الذين قتلوا في المعارك، والذين قدموا أنفسهم ضحايا لها، والتجار الذين قتلوا وهم قادمون من مكان بعيد، والنساء اللواتي توفين أثناء ولادتهن الأولى. في حين تذهب بقية أرواح الأموات إلى العالم السفلي (ميكتلان)، الذي يوجد تحت الصحارى الشمالية عند طين الرب (ميكتلان تيكوهتلي) رب الموت، هذا الإله الذي يرتدي قناع الهيكل العظمي، حيث يسافر هؤلاء الموتى إلى طبقة الجحيم التاسعة، ويختفون فيها إلى الأبد، ولا يعودون إلى الأرض.
هنود الأنكا: تشبه معتقدات هنود الأنكا إخوانهم في الأزتيك. فهم يرون أن الكون مكون من عوالم وطبقات، فهناك عالم سماوي، وعالم أرضي، وعالم سفلي. ويعتقدون بأن الأبواب مفتوحة ما بين السماء والأرض، لهذا يستطيع الكاهن، الذي يطلقون عليه اسم الشامان، السفر بروحه إلى السماء متى أراد. وتحمل هذه السماء، باعتقادهم، ثلاثة مراكب، يوجد في الأول منها الخالق (فيراكوشا)، وفي الثاني (إنتي) رب الشمس، وفي الثالث (إيلابا) رب الرعد أو المناخ.
ويعتقد شعب الأنكا بخلود الروح بعد الموت، وهو ما يطلقون عليه اسم (الواكا). فأرواح الأجداد خالدة بعد الموت، وهي الحارسة للأحياء. وهذه الأرواح إما أن تكون مستقرة في مكان ما، أو أن تكون أرواحاً متجسدة في شيء مادي كالشلالات المائية، والجبال، والمزارات. كما يعتقدون أن أرواح الرجال الصالحين تذهب إلى الجد الأكبر (الشمس) في السماء حيث ينالون أحسن المنازل وأعلاها، في حين أن الأرواح الشريرة تهبط إلى العالم السفلي فتلاقي هناك البرودة الشديدة، والقحط، والجوع.
يقع هذا الكتاب في 407 صفحات، وهو من القطع الكبير.

التاريخ: الثلاثاء11-8-2020

رقم العدد :1008

 

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها