الثورة أون لاين -عبد الحليم سعود:
يتواصل قطار التطبيع العربي المجاني مع الكيان الصهيوني، دون أدنى حد من الحفاظ على الحقوق العربية المشروعة للشعب الفلسطيني، ودون الحصول على أي تنازل من هذا الكيان الإجرامي عن أطماعه بالمياه والثروات العربية وعن نزعته العدوانية بحق العرب، ليجهض هذا المسار المخزي كل جهود ومساعي المقاطعة العربية مع عدو الأمة الذي يغتصب الأرض العربية ويصادر الحقوق العربية.
وهذا المسار يأتي من دون التبصر بما هو آت من المخططات الأميركية والصهيونية لتخريب الأمن والاستقرار في عموم الشرق الأوسط، والمثير للضحك والاستهجان أن الولايات المتحدة دائما ما تضع مسألة التطبيع المجاني في إطار ما تسميه (خدمة) الأمن والسلام في منطقتنا، فيما الحقيقة هي خدمة المخططات الصهيونية الرامية لتقسيم وتفتيت المنطقة.
من حيث التوقيت المشبوه غالبا ما تأتي عمليات التطبيع المجاني في أوج المحاولات الصهيونية والأميركية لاستكمال المشروع الرامي لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، و” صفقة القرن مثال”، وأيضا في أوج العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة والضفة ومحاصرته لهم، وسعيه لسرقة أراضيهم وتشريدهم منها إلى دول عربية أخرى مقابل تعويضات مالية تدفعها دول الخليج (مؤتمر البحرين عام 2019).
وكذلك في أوج مخططاته للاستيلاء على القدس المحتلة والمسجد الأقصى وضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن في محاولة حثيثة منه لنسف كل “التفاهمات” الموقعة بينه وبين السلطة الفلسطينية، واليوم الكل بات يدرك بأن ترامب وصهره الصهيوني جاريد كوشنير عراب ” صفقة القرن” قد أنجزا كل ما يستطيعا لتحقيق رغبات نتنياهو في إطار هذه الصفقة المشؤومة (الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان الغاصب، ونقل السفارة الأميركية إليها، إلى جانب التضييق على السلطة الفلسطينية من أجل القبول بكل شروط الاحتلال)، وعادة ما يأتي التطبيع في أوج الضغوط الأميركية الممارسة على الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية في إيران اللتين تعدان في مقدمة الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني ولمقاومته.
ما من شك بأن مسألة التطبيع مع حكومة العدو تصب في مجملها إلى جانب المخطط الصهيوني في المنطقة، في خانة دعم الرؤساء الأميركيين عندما يواجهون مآزق انتخابية وسياسية، على غرار ما يواجهه دونالد ترامب اليوم، والذي يستعد لخوض أصعب استحقاق له وهو الانتخابات الرئاسية حيث باتت حظوظه ضعيفة في مواجهة خصمه جوزيف بايدن بعد سلسلة من الإخفاقات منيت بها سياسته داخلياً وخارجياً نتيجة تفشي وباء كورونا، وكذلك جريمة مينابوليس العنصرية، إلى جانب التوترات مع الصين وروسيا وعدد من الدول الأوروبية، وهو بأمس الحاجة لدعم اللوبي الصهيوني المتحكم بالانتخابات الأميركية.
وعلى هذه الخلفية يمكن قراءة مسار التطبيع ضمن مسار الصراع العربي الصهيوني، حيث من المنتظر قيام أكثر من دولة “عربية” بتوقيع اتفاقيات علنية مع الكيان الصهيوني وإخراج العلاقات السرية معه للعلن من أجل الدفع بقطار التطبيع المجاني قدماً إلى الأمام، وذلك لإضعاف الموقف العربي الداعم للشعب الفلسطيني وتقديم جائزة ترضية للثنائي ترامب ــ نتنياهو اللذين عجزا عن استثمار حمى ما سمي”الربيع العربي” لصالح تحقيق الأطماع الصهيونية في المنطقة، إذ لا يختلف اثنان في أن الكيان الصهيوني هو الحليف الأبرز للولايات المتحدة في المنطقة ومن أجله فقط تجير كل السياسات الأميركية فيها، وهو أمر لا يتحرج منه المسؤولون الأميركيون حيث يعبرون عن التزامهم بأمن ومصالح الكيان الصهيوني كأولوية في برامجهم وسياساتهم الخارجية.
غير أن الأكثر سخرية في مسار التطبيع المجاني أنه يدعي حرصه على حقوق الشعب الفلسطيني في حين أن الشعب الفلسطيني وسلطته هما آخر من يعلم، وبالتالي لا يمكن وضعه إلا في إطار المتاجرة والابتزاز والتوظيف الرخيص، حيث لا تحتاج الأنظمة “المطبعة” إلى مبررات لإقامة علاقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني بعد تلقيها أوامر أميركية، فهي قائمة أصلا، ولكن يراد لها أن تكون سياقا عاما في كل الدول العربية لخدمة الكيان العاجز عن تحقيق أوهامه بمفرده .
ولكن في المحصلة لا يمكن لمسألة التطبيع المجاني أن تحقق مكاسب للكيان الإسرائيلي على المدى الطويل لأن الصراع مستمر ولن يتوقف ولو وقع كل عرب أميركا صكوك الاستسلام والتخلي، لأن عرب المقاومة والمواجهة لن يتنازلوا عن حقوقهم وأرضهم، ولن يبيعوا قضيتهم المقدسة وسيبذلون لأجلها كل غال ونفيس، وبالتالي لن ينعم الكيان الصهيوني بالسلام والأرض معاً.