الثورة أون لاين – ترجمة سراب الأسمر:
كيف كان موقف العالم من القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة عام ١٩٤٥ بإسقاط قنبلتين نوويتين في ٦ و ٩ آب؟ بغض النظر عن الإجابة فإن الحقيقة هي أن المؤسسة النووية الأميركية كانت ولا تزال تشكل أكبر تهديد على السلام العالمي.
قبل ٧٥ عاما وبنفس التوقيت، غادرت قاذفتان أميركيتان من طراز B-29 من جزيزة تينيان (من أقصى شمال جزر ماريانا على بعد ١٥٠٠ كم جنوب شرق طوكيو) مدججتان بأحدث الأسلحة وأفظعها” القنبلة الذرية”.
ففي ٦ آب ألقت طائرة B-29 الملقبة ب “إينولاغاي” قنبلة تحتوي على ٦٤ كغ يورانيوم عالي التخصيب فوق مدينة هيروشيما. انفجرت القنبلة الملقبة ب “ليتل بوي” بقوة ١٥ كيلو طنا لمادة TNT وقتلت فورا حوالي ٦٦ ألف شخص وأصيب ٦٩ الفا آخرين.
بعد ذلك بيومين، ألقت طائرة أخرى من طراز B-29 قنبلة تحتوي على ٦,٤ كغ بلوتونيوم فوق ناغازاكي، ولقب هذا السلاح ب “فات مان” وتفجر بقوة ٢١ كيلو طن قاتلا حوالي ٣٩ ألف ياباني على الفور ومتسببا بإصابة ٢٥ ألفاً آخرين.
ناقش المؤرخون الأميركيون بحدّة أخلاقية هذا العمل بإلقاء قنبلة تدمر مدينة بأكملها وتقتل شعبها. على مرّ السنين، توصلوا إلى توافق يبرر الرعب من استخدام القنبلة الذرية على أساس أنها ستساعد في تقصير فترة الحرب مع اليابان وتنقذ بذلك حياة الآلاف من الأميركيين وحتى من حياة اليابانيين لكن يمكننا التأكيد أن حياة غير الأميركيين لا أهمية لها في موازينهم وهذا كما أثبته القصف المكثف على المدن الألمانية واليابانية.
أحد إشكاليات هذه القصة أنها تقدم صورة غير صحيحة لما حدث فعلا. بالحقيقة كانت الخسائر بحالة غزو اليابان رهيبة، على الأقل حين ندرك أن التقديرات كانت صحيحة.
في ذلك الوقت كانت اليابان على وشك الاستسلام وبهذه الضربة بدلا من المطالبة باستسلام غير مشروط عرضت الولايات المتحدة شروطا لتسوية ما بعد الحرب والتي جزم بها الجنرال ماك آرثر بالإبقاء على الأسرة الإمبراطورية والحد الأدنى من الحكم الذاتي.
الحقيقة أن الدائرة المقربة من ترومان بما في ذلك وزير الخارجية جيمس بيرنز ووزير الحرب هنري ستيسمون كانا مؤيدان لفكرة إلقاء القنبلة الذرية على المدن اليابانية لأنها ستقصر مدة الحرب وأيضا ستساعد في ردع الاتحاد السوفييتي.
كان يعتقد بيرنز أن “موسكو يمكن أن تكون أكثر انقيادية” أمام القدرة التدميرية التي أثبتها السلاح الجديد. وكما أوضح ليزلي غروفز -المدير العسكري لمشروع منهاتن الذي أنتج القنبلتين الأميركيتين- للعلماء المعنيين “الهدف الأساسي من هذا المشروع هو إخضاع السوفييت”.
هذا الشرح ضروري لفهم الدور الذي طالما لعبه السلاح النووي في الموقف والسياسة النووية الأميركية اليوم.
هناك فرق كبير بين استخدام السلاح بهدف تقصير فترة الحرب وإنقاذ الأرواح وبين استخدامه لتخويف عدو محتمل في المستقبل من خلال إظهار قدرة تدميرية كبيرة كما هو حال هيروشيما وناغازاكي.
يحب الأميركيون اعتناق رواية استخدام القنبلتين الذريتين اللتين استهدفتا هيروشيما وناغازاكي على أنهما عملا إنسانيا: “لقد كان علينا قتل مئات الآلاف من الأشخاص من أجل إنقاذ الملايين”. من هذا المنظور فإن امتلاك أميركا المستمر للأسلحة النووية هو شر لا مفر منه، لأن وجودها قد يساهم في منع استخدام أسلحة الدمار الشامل حسب رؤيتهم.
لكن حين ننظر للأشياء من خلال عدسة تعكس حقيقة أصل القنبلة الذرية باعتبارها قوة للتخويف وهي إثبات قوتها من خلال قتل آلاف الناس بهذا الشكل تبدو تجسيدا لشر كبير.
منذ زمن طويل والولايات المتحدة تسعى إلى ضرورة إحداث توازن في مفهوم “جعل الحرب سهلة” بوجود السلاح النووي وإغراء استخدامه الذي تروج له مثل هذه الفلسفة من ناحية، والواقع القاسي الذي يتبلور في الانتقام من القوى النووية الأخرى بحال استسلمت لإغراء استخدامها في مكان آخر، وواقع أن الولايات المتحدة فكرت على مرّ السنين باستخدام السلاح النووي لحلّ النزاعات غير النووية (كوريا، فيتنام والعراق) تؤكد على حقيقة تفكيرها الذي يعتمد على التخويف وليس الردع.
إن حقيقة تصميم الولايات المتحدة على استمرارية نشر الأسلحة النووية لابد وأن يثير اشمئزاز كل مواطن أميركي وعالمي على حد سواء..
في السنوات العشرين الأخيرة، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية ومن معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى وهي تستعد لمعاهدة جديدة من الأسلحة الإستراتيجية.
بدلا من مضاعفة جهودها لمتابعة الحد من التسلح، يبدو تركيزها اليوم على نشر رؤوس نووية جديدة تطلقها الغواصات بالإضافة إلى تطوير رؤوس حربية نووية أكثر تدميرا للصواريخ البالستية العابرة للقارات.
قد يتمكن السياسيون وأصحاب الخطط العسكرية من تهدئة العالم القلق من خلال تأكيدهم على أن أمورا كهذه تسعى إلى تقوية قدرة الردع لدى الشركة النووية الأميركية، لكن على العالم ألا ينخدع بأمر كهذا. فقبل ٧٥ عاما قتلت أميركا مئات الآلاف من المدنيين في اليابان بحجة تخويف الآخرين.
التخويف وليس الردع كان وسيظل دائما محرك الترسانة النووية الأميركية، كما هو الحال مع أي رعب، فالمشكلة لا تكمن في معرفة فيما إذا كانت الولايات المتحدة ترغب باستخدام هذا السلاح، لكن الى متى.
بقلم: سكوت ريتر
عن: موندياليزاسيون
التالي