الثورة أون لاين -عزة شتيوي:
الحسكة عطشى..هي العبارة التي تصدرت بالأمس قلوب السوريين وصفحاتهم الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، ليعكس نداء السوريين لإنقاذ أهلنا في هذه المحافظة الخيرة، حالا سياسيا يضع المجتمع الدولي وقوانينه على محك معاناة مليون إنسان، وحرمانهم من المياه في ظرف جوي حار، وصحي مرتبط بتفشي وباء كورونا، ولكن هذا النداء السوري يذهب لأبعد من ذلك يوم يشير بالبنان لتهشيم واضح في القوانين الدولية، وكسر علني لهيبة الأمم المتحدة، حين تتجرأ دولة على احتلال جزء من دولة جارة كما فعلت تركيا عبر احتلالها أراض في الشمال السوري بحجة مكافحة الإرهاب، والدفاع (عن حرية جبهة النصرة)، والأكثر من ذلك هو تجاوز الخطوط ما بعد الحمراء، والعبث بالأمن المائي للمنطقة، كما يفعل أردوغان، حيث يحاول سرقة نصيب سورية والعراق من نهري دجلة والفرات وتعطيش الأهالي وتعطيل عمل الفلاحين، في خرق سافر لكل الاتفاقيات والأعراف الدولية.
قطع المياه المتكرر عن مدينة الحسكة عشرين يوما، ليس الجريمة الوحيدة لأردوغان، بل هو الحلقة الأكثر وقاحة وتطاولا على القوانين الدولية من ضمن سلسلة جرائمه ضد الإنسانية ناهيك عن استخدامه لورقة المياه للضغط على خصومه ميليشيا “قسد” ليس إلا جزءا من سياسة النهب لحصص الدول من الماء، فاردوغان يحاول الاستيلاء على كامل مياه نهري الفرات ودجلة في سورية والعراق ويخطط لذلك منذ بدأ بإشعال فتيل الأزمة في سورية، واستغلال الأوضاع في العراق، حيث كميات المياه التي تصل للسوريين والعراقيين ينخفض منسوبها بصورة مستمرة، وتهدد حياة ملايين الناس بالجوع والعطش وانقطاع الكهرباء، وذلك بسبب سياسات أردوغان وبنائه السدود على نهري الفرات ودجله، وهذا ما يعد جريمة بحد ذاته.
جرائم أردوغان المائية توثقها الدراسات والتقارير الإعلامية العربية والغربية منها، وقد تحدث عن ذلك الكثير من المحللين السياسيين وحتى المعارضين من الداخل التركي لسياسة أردوغان، وكتبت عنها الكثير من الصحف، حيث أكد تقرير لموقع «دير شبيغل» الألماني بعنوان «تركيا توقف المياه في سورية» أن أردوغان يزيد معاناة الشعب السوري الذي يعيش ويلات الحرب ووباء كورونا والحصار الاقتصادي، ويجعله يواجه أزمة خطيرة جديدة وهى نقص المياه.
ونوه التقرير إلى أن هناك تراجعا كبيرا لمنسوب المياه في نهر الفرات، ما يخالف الاتفاق بين سورية وتركيا والذي جرى منذ سنوات عديدة.
وأكد التقرير أن تركيا تقف وراء هذه المأساة عبر السدود التي يقوم ببنائها أردوغان ضمن مشروعاته التوسعية بجنوب شرق الأناضول، والتي تؤدي لشح المياه في سورية وحتى في العراق على ضفاف نهر الفرات الذي يتدفق من تركيا عبر سورية والعراق إلى الخليج العربي، وتتعلق به حياة نحو 60 مليون شخص.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن تركيا تشترك في إشعال الأزمات السياسية في سورية والعراق لبناء السدود المخطط لها منذ فترة طويلة على نهر الفرات ودجلة، وأحدثها سد «ليسو».
من جانبها وجهت سورية، وعبر مندوبها للأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، ووزارة الخارجية والمغتربين، العديد من الشكاوى حول ممارسات اردوغان وجرائمه في سورية، كما أن العراق احتج أيضا على العبث التركي بأمنه المائي، ولم يجد آذانا صاغية ولا تراجعا من أنقرة.
ومن الواضح أن أردوغان يحاول إشهار سياسة التعطيش واستخدام المياه كسلاح لتمرير أهدافه السياسية والتوسعية والسيطرة على المياه، وهذا ما يبدو واضحا من احتلال مرتزقته وميلشياته لمحطة ضخ مياه الشرب بمنطقة علوك منذ تشرين الأول الماضي عام 2019، والتي تزود محافظة الحسكة بالمياه، وأغلق اردوغان المياه عن منازل الأهالي في محاولة منه لاستسلامهم كما يبدو انه يحاول تمرير الرسائل لمليشيات “قسد” بأن تهديده المائي يصل لهم أيضا.
وهذا ما أكده أيضا تقرير لتوبياس فون لوسف، الخبير بأبحاث صراعات المياه في معهد «كلينغتايل»، حيث قال إن تركيا تحتل المياه في محطات الضخ في سورية لتضغط أكثر على السكان وخصومها ” قسد” أيضا.
وانتقد التقرير الأطماع التركية وخاصة أن تركيا لا تشكو من نقص في المياه، وتساءل لماذا يتم تعطيش قطاعات كبيرة من السوريين الآن وخاصة في فصل الصيف بحرارته المرتفعة؟.
اللافت حتى الآن رغم كل ما يشار له من تقارير صحفية ودراسات إستراتيجية أن التحرك الدولي ضد إجرام اردوغان يبقى ضعيفا، وأن الصمت الغربي من علامات (الرضا)على هذا الإجرام مع العلم أن أردوغان كنظيره الأميركي ترامب يقوم بخرق الاتفاقيات الدولية دون أن يرف له جفن سياسي، أو حتى يجد من يردعه أمميا، فما يقوم به في سورية يخرق اتفاقية عام 1987 التي تضمنت أن تستفيد سورية ب 500 متر مكعب من مياه نهر الفرات كل ثانية، لكن المنسوب اليوم انخفض لأقل من 200متر مكعب بحسب تقارير إعلامية حتى صنبور المياه في الحسكة تم الاستيلاء عليه من خلال انكشارية اردوغان.
ففي مخالفة للقانون الدولي والاتفاقيات، قلصت سدود تركيا حصص سورية والعراق المائية وجرفت الأراضي الزراعية، وهذا مؤشر خطير وعدوان قد يتكرر على كل دول المنطقة، وقد تقوم فيه دولة معتدية كتركيا ضد دول أخرى، خاصة أن أكثر من 60 % من المياه العربية تنبع من الخارج، فهل يستخدم الماء كورقة ضغط على دولة، وهل يسمح اليوم للص اردوغان بسرقة الماء بعد أن سرق نفط سورية ومحاصيلها الزراعية؟.
سدود اردوغان وحرب المياه ..
في أيار الماضي، بدأت تركيا في تشغيل سد “اليسو” على نهر دجلة، الذي يقع على بعد ٥٠ كم فقط من الحدود العراقية، ما تسبب في تفجّر أزمة جديدة خاصة مع انخفاض إيراد المياه السنوي للعراق وسورية.
لم يكن ذلك أول السدود التركية على نهرى دجلة والفرات، ذلك أن تركيا بدأت سياسة إنشاءات السدود منذ ستينيات القرن الماضي، لكنها مع بدء الحرب على العراق، ومشاركة اردوغان في إشعال فتيل الأزمة، وتدخله السافر في شؤون الدولتين السورية والعراقية استغل الوقت لإنشاء مزيد من السدود، ويخطط للسطو على مياه نهري دجلة والفرات منذ سنوات، ويحاول التسلطً على دولتي المصب في العراق وسورية من خلال الاستيلاء المتعمد على حصصهم من المياه لتنفيذ مخططه المشبوه، ومشروعاته المائية التي قد تستهلك أكثر من ١٠٠ مليار م٣ من مياه الأنهار بحسب خبراء، وينبه المُحللّون إلى أن ما يسمى مشروع “الكاب” التركي يهدد الأمن القومي والمائي العربي، ذلك أن بعض دول حوض النيل قد تنتهج عدوان اردوغان وتفرض تعويذته وجريمته النكراء على مصر والسودان.
كما أن حرب الماء التي يشنها اردوغان مستغلا مسألة أن تركيا “دولة منبع للفرات ودجله” لها مآرب خاصة باردوغان الذي يُريد التغطية على تراجع شعبيته وشعبية حزب العدالة والتنمية التركي، حيث يحاول التغطية على أزماته الداخلية بالتسلّط الخارجي على دول الجوار.
وربما يخطر في بال اردوغان أن ما يبنيه من سدود، خاصة في مناطق تواجد قواعد حلف الناتو قد يعزز من تصرفاته العدوانية على المياه في العراق وسورية، إلا أن هذه السدود التي يبنيها مخالفة لاتفاقية المياه والبحار الصادرة عام ١٩٨٢واتفاقية المياه والأنهار العابرة للحدود الصادرة عام 1997.
وما تعانيه اليوم سورية يعانيه بشكل وأوضح العراق الضحية، فسد “اليسو” التركي تسبب في تقليل حجم المياه القادمة إلى العراق من نهر دجلة بنسبة ٦٠٪.
وتشير دراسات أجريت عام ٢٠١٩، إلى أن مياه نهر دجلة ستنخفض من ٢٠ مليار م٣ إلى ٩ مليارات م٣ فقط، وهذا ما يترك أثرا على أوضاع الفلاحين والزراعة وزيادة معدلات البطالة. ويبدو أن الحل السريع أمام العراق وسورية هي بتلقين المحتل والمعتدي التركي درسا عسكريا من عيار الطرد والمقاومة الشعبية، كما يحدث الآن في الحسكة وعموم الجزيرة، حيث يضع الأهالي يدهم بيد الجيش العربي السوري لتقوية المقاومة الشعبية، كما يجب على المجتمع الدولي ودول المنطقة التحرك لمنع اردوغان من عسكرة المياه وجعل الثروات المائية سلاحا بيد السياسات القذرة كسياسة اردوغان.
السدود التركية على الفرات ودجلة..
بحسب تقرير الموازنة المائية في العراق وتقرير أزمة المياه في العالم فانه يبلغ عدد السدود على نهري الفرات ودجلة حوالي تسعة سدود وهي سد كيبان وسد قرقايا وسد أتتورك وسد بيرة جيك وسد قرقامش وبطمان كيران كيزى وسد اليسو.